ولأن غزوة بدر هي بداية الغزوات الإسلامية ، وقد شاهد الصحابة من صلابة المشركين في مكة وقوتهم وثروتهم وهم أولاء لا يملكون ما يملكه هؤلاء من عدّة وعدّة ، فهم كانوا ـ على إيمانهم ـ أذلة في حساب الكفار ، بل وفي حسبانهم أنفسهم قضية ظاهر الحال ، وهم مع ما هم عليه من ذلة وذلة كانوا ذلا لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا يخافون في الله أية قوة قاهرة ظاهرة.
ذلك! (فَاتَّقُوا اللهَ) لا سواه «ولا تعبدوا الا إياه» (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) الله بما نصركم يوم بدر وينصركم إن كنتم متقين شاكرين (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ ...).
(إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (١٢٤) بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) (١٢٥).
(نَصَرَكُمُ ... إِذْ تَقُولُ) فهما ـ إذا ـ يختصان ببدر ، نصرة وقولة ، ولكنه نقلة كانت في أحد تنديدا بهم أن لم يصبروا ويتقوا حتى ينصرهم فيه كما نصرهم ببدر ، اللهم إلا في بدايته ولمّا يتركوا مقاعدهم.
ثم (أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ ..) سئوال تأنيب ينفي الإحالة المزعومة بالنسبة لتلك الكفاية بإمداد ملائكي ، كأن فيهم من زعم ألّا يفيد الإمداد إلّا بالجيوش الأرضية ، حيث القلة المسلمة ترى نفير المشركين لمحاربتهم لأوّل مرة ، وهم مفاجئون بها إذ خرجوا لالتقاء طائفة العير الموقرة بالمتاجر لا الموقرة بالسلاح ، وقد أبلغهم الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما أوحي إليه لتثبيت قلوبهم وأقدامهم في هذه المفاجأة المفاجعة ، وهم ـ على إيمانهم ـ بشر يحتاجون إلى خارقة العون في هذه الحالة الاستثنائية في صورة تبلغ مشاعرهم المألوفة ، وقد أبلغهم ذلك الإمداد شرط الصبر على تلقّي صدامات الهجمة الفاتكة الهاتكة ، والتقوى