فإذا كان خلق المسيح خارقة أن لم يكن له والد ، فخلق آدم خارقتان أن لم يكن له والدان ، وانما (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) في جثمانه هيكلا ترابيا مثال الإنسان (ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ) إنسانا في الجسم والروح «فيكون» ما كونه الله آدم وسواه كما قال الله ، وقد يعني (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) خلق جسمه (ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ) قولا تكوينيا موجها الى جسمه أن كن إنسانا فهو تكوين روحه من جسمه ، وهذه عبارة اخرى عن (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) في تخليق بنيه.
وقد تكون «فيكون» بديلا عن «فكان» إشارة الى استمرارية هذه الكينونة الخارقة للمألوف ، دون اختصاص بآدم ، حيث ثنّي بالمسيح (عليه السلام) ، ومن ثم في كافة الآيات المعجزات.
فان كان المسيح لخلقه دون أب ابنا لله فليكن آدم المخلوق دون أبوين أخا لله ، وان كان المسيح لذلك هو الله فليكن آدم أبا لله ، سبحانه وتعالى عما يشركون ، ثم وان كان المسيح يستحق الولادة مجازيا تشريفيا ، فليشرّف آدم بسمة الأخوة لله.
ذلك! ولا يصح المجاز إلا فيما يمكن حقيقته ، وإذ ليس بالإمكان ابن او أخ لله ، فلا تشريف ـ إذا ـ بمجاز وسواه ، حيث المجاز هو الحقيقة المجاز إذ يجوز اللفظ ويعبر منه الى ما يشابهه.
تنزل هذه الآية جوابا عما سأله جماعة من اهل نجران «هل رأيت مثل عيسى أو أنبئت به؟» (١) فقد تحمل اجابة وافية قاطعة لأعذار مؤلهي المسيح
__________________
(١) الدر المنثور ٢ : ٣٧ ـ أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العرفي عن ابن عباس من أهل نجران قدموا على النبي (ص) وكان فيهم السيد والعاقب فقالوا : ما شأنك تذكر صاحبنا قال : من هو؟ قالوا : عيسى تزعم أنه عبد الله قال : أجل إنه عبد الله قالوا فهل رأيت ... فجاء جبرئيل فقال : قل لهم إذا أتوك : إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ...