وما قصة نازل السحر على الملكين إلّا بلية صالحة لغربلة الناس ، ليظهر ناسهم عن نسناسهم ، فيعرفون أنفسهم ويعرفهم الناس ، كيف هم يبدلون نعمة الله كفرا ، ويستغلونها في الضر والشر؟. كما و (إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ ...) (٢ : ٢٤٩) وإلى سائر الابتلاءات والفتن الربانية.
ولقد كثرت رواة هذه القصة وقلت رعاتها ، اهتماما بأيّة رواية ، وتغافلا عن أيّة رعاية ، ولا يصدّق منها إلّا ما صدقه كتاب الله ، ام ـ ولأقل تقدير ـ لم يكذبه ولم يأت برهان لتكذيبه ، فقد يحتمل إذا صدقه.
هذه القصة وأضرابها مما تمتّ بصلة إلى إسرائيل هي مسرح الأكاذيب والمختلقات الزور الغرور ، التي يدسها بين أحاديثنا الغرور ، ولا أصل لنا أصيلا نصدر منه ونرجع إليه إلّا القرآن العظيم.
وكثير من هذه الأحاديث ـ كغيرها ـ الواردة في مطاعن الأنبياء وعثراتهم ، هي مما دسته اليهود في أحاديثنا ، كما وأعانهم عليها قوم آخرون من المسيحيين ومنافقي المسلمين ، وجهالهم البسطاء!.
والقرآن يفصح عما دسوا وأخفوا ، ويفضح ما صفوا فيه ودفوا ، فانه مهيمن على ما بين يديه.
إنهم كفروا بذريعة الايمان والأمان ، وطغوا فيها بديلا عن التقى :
(وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) ١٠٣.
«لو» الأولى تحيل إيمانهم وتقواهم ، كما الثانية تحيل علمهم بمثوبة الله ، وهما استحالتان بالاختيار : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ).