فإبراهيم (ع) ليس إلّا أوّل بان لقواعده ، بما بوأه ربه من مكان البيت ، وقد كان بيتا منذ آدم ، مطافا له ولذريته ، بل ومنذ كانت خليقة على وجه الأرض ووجوه السماوات السبع والأرضين السبع.
(رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا) ما نرفع من قواعد البيت (إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ) دعاءنا سرا او جهرا «العليم» بنياتنا وطوياتنا ، و «العليم» سؤلنا ، وقد كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أفطر قال : «اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبل منا انك أنت السميع العليم» (١).
(رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) ١٢٨.
وتراهما لمّا يسلما بعد لربهما حتى يسألانه (وَاجْعَلْنا ...)؟ إن الإسلام المسؤول هنا هو غاية التسليم ، وهي لا تحصل إلّا بعد العروج الى معارج الإيمان ، ومما استجاب لهما ربهما عن سؤل الإسلام : (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ. وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (٣٧ : ١٠٣).
ولذلك الإسلام درجات تدرّج ابراهيم الى ما دون العليا منها ، فان محمدا اوّل من اسلم :
(قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) (٦ : ١٤) حيث الأوّلية هنا ليست لتكون زمنية وقد كان قبله مسلمون كإبراهيم وإسماعيل ومن أشبه ، فهي أولية في الدرجة ، و «الايمان من الإسلام بمنزلة الكعبة الحرام من الحرم قد
__________________
(١) الدر المنثور ١ : ١٣٧ ـ أخرج الدار قطني عن ابن عباس قال كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ...