ثم أوضح ما تم في أثناء الدحو من إعداد وسائل الحياة والعيش ، فقال :
(أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها ، وَالْجِبالَ أَرْساها ، مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) أي فجّر من الأرض الأنهار والبحار والعيون والينابيع ، وأنبت فيها النبات لبني آدم قوتا كالحبوب والثمار ، وللأنعام مرعى كالأعشاب والحشائش ، وجعل الجبال كالأوتاد للأرض لئلا تميد بأهلها ، وقررها وثبّتها في أماكنها.
وجعل تعالى كل ذلك منفعة وفائدة أو تمتيعا لكم أيها الناس ، ولأنعامكم أكلا وركوبا وهي الإبل والبقر والغنم ، كما قال تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً ، لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ ، وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ) [النحل ١٦ / ١٠].
فقه الحياة أو الأحكام :
دلت الآيات على ما يأتي :
١ ـ أثبت الله تعالى لمنكري البعث قدرته على إعادة الخلق والمعاد ، بقدرته على بدء الخلق ، وقدرته على خلق السموات العظيمة ، المحكمة البناء ، والتي جعل فيها الليل والنهار ، وخلق الأرض التي دحاها وبسطها ومهدها بعد خلق السموات ، وفجر منها الأنهار والينابيع ، وأرسى الجبال في أماكنها ، كل ذلك لتحقيق المنفعة للإنسان ودوابه التي يأكل منها ويركب عليها. ومعنى الكلام التقريع والتوبيخ.
فمن قدر على السماء قدر على الإعادة ، وإذا كان الله قادرا على إنشاء العالم الأكبر ، يكون على خلق العالم الأصغر ، بل على إعادته أقدر.
٢ ـ نبّه الله تعالى بهذا الدليل على أمر معلوم بالمشاهدة ، وهو أن خلق السماء أعظم وأبلغ في القدرة.
٣ ـ أشار الله تعالى إلى كيفية خلق السماء بقوله : (بَناها) وفيه تصوير