فناسب قولهم : (حَمِيدٌ مَجِيدٌ) لأن الحميد : هو الذي يستحق الحمد والشكر لصدور الأفعال الحسنة منه ، والمجيد : الممجد الذي يستحق الحمد بنفسه وبمجده. وأما هنا فأرادوا التنبيه إلى الحكمة العامة من الولادة في الكبر وبعد العقم طوال الحياة. وهي الدلالة على حكمته وعلمه ، فهو حكيم في فعله يضع الأمور في نصابها ، عليم بشؤون خلقه (١).
وبعد بشارة الملائكة إبراهيم عليهالسلام بالغلام ، سألهم عن شأنهم وسبب مجيئهم :
(قالَ : فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) أي فما شأنكم الخطير ، وفيم جئتم ، وما قصتكم المثيرة ، وما سبب إرسالكم من جهة الله؟ فأجابوه :
(قالُوا : إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ ، لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ ، مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ) أي قالت الملائكة رسل العذاب ورسل البشرى : إنا بعثنا إلى قوم لوط الذين أجرموا بالكفر وارتكاب الفواحش ، لنرجمهم بحجارة من طين متحجر ، مطبوخ بالنار ، كالآجرّ ، معلمة بعلامات تعرف بها ، مخصصة عند الله لهلاك المتمادين في الضلالة ، المجاوزين الحد في الفجور.
ثم أخبر الله تعالى عن أن هذا العذاب ليس عشوائيا يصيب الصالح والطالح ، وإنما فيه تمييز المؤمنين عن المجرمين ، فقال :
(فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أي لما أردنا إهلاك قوم لوط ، أخرجنا من كان في تلك القرى من قومه المؤمنين به ، تنجية لهم من العذاب ، فلم نجد غير أهل بيت واحد أسلم وجهه لله ، وانقاد لأوامره ، واجتنب نواهيه ، وهو بيت لوط بن هاران ـ أخي إبراهيم ـ بن تارح ، أي كان لوط ابن أخ إبراهيم الخليل عليهماالسلام ، آمن
__________________
(١) المرجع والمكان السابق.