الكريمة بأنه ذو الجلال والإكرام ، أي هو أهل أن يجلّ فلا يعصى ، وأن يطاع فلا يخالف ، كقوله تعالى : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) [الكهف ١٨ / ٢٨] وكقوله إخبارا عن المتصدقين : (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) [الدهر ٧٦ / ٩]. وقال ابن عباس : ذو الجلال والإكرام : ذو العظمة والكبرياء (١).
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي فبأي نعم الله هذه تكذبان أيها الإنس والجن ، فالناس والمخلوقات جميعا يتساوون كلهم في الوفاة ، ثم يصيرون إلى الدار الآخرة ، فيحكم فيهم ذو الجلال والإكرام بحكمه العدل ، والفناء طريق للبقاء ، والحياة الأبدية ، فكان في الفناء نعمة التساوي في الموت ، ونعمة تعاقب الأجيال ، ونعمة العدل المطلق ، ونعمة الانتقال من الدار الفانية إلى الدار الخالدة الباقية دار الجزاء والثواب ، ذات النعيم المادي والروحي الشامل ، فكيف يكون منكم التكذيب بهذه النعم العظيمة؟!
(يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) أي يطلب منه جميع أهل السماء والأرض كل ما يحتاجون إليه ، فيسأله أهل السموات المغفرة ، ولا يسألونه الرزق ، وأهل الأرض يسألونه الأمرين جميعا (المغفرة والرزق) وتسأل لهم الملائكة أيضا الرزق والمغفرة ، فلا يستغني عنه أهل السماء ولا أهل الأرض ، والمادة تحتاج إلى ما يناسبها ، والنبات يحتاج إلى ما يبقيه ، والإنسان بحاجة إلى مقومات الحياة المادية والمعنوية ، والحيوان مفتقر إلى عناصر البقاء.
وهذا إخبار عن غناه تعالى عما سواه ، وافتقار الخلائق إليه في جميع الآنات ، وأنهم يسألونه بلسان الحال والمقال ، وأنه سبحانه كل يوم ووقت في شأن ، ومن شأنه أنه يحيي ويميت ، ويرزق ، ويغني ويفقر ، ويعزّ ويذلّ ، ويمرض
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ٤ / ٢٧٣