الكعبة غير هذه الثلاثة التي نصت عليها الآية ، وإنما أفردت هذه بالذكر ، لأنها أشهر من غيرها.
وبعد بيان سخف عقولهم بعبادة الأصنام ، وبخهم الله تعالى على شرك من نوع آخر وهو جعل الملائكة بنات الله ، فقال :
(أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى ، تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) أي أتجعلون لله ولدا ، ثم تجعلون ولده أنثى ، وتختارون لأنفسكم الذكور؟ فلو اقتسمتم فيما بينكم هذه القسمة ، لكانت قسمة خارجة عن الصواب ، جائرة عن الحق. فكيف تقاسمون ربكم هذه القسمة التي لو كانت بين مخلوقين كانت جورا وسفها؟! ونظير الآية : (أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ؟) [الطور ٥٢ / ٣٩].
ثم أنكر الله تعالى عليهم ما ابتدعوه وأحدثوه من الكذب والافتراء والكفر بعبادة الأصنام ، وتسميتها آلهة ، فقال :
(إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) أي ما تسمية هذه الأصنام آلهة ، مع أنها لا تبصر ولا تسمع ، ولا تعقل ولا تفهم ، ولا تضر ولا تنفع إلا مجرد أسماء سميتموها آلهة من تلقاء أنفسكم ، وليس لها مسميات حقيقية ، اتخذتم ذلك أنتم وآباؤكم ، قلّد الآخر فيها الأول ، وتبع في ذلك الأبناء الآباء ، ولم ينزل الله بها من حجة ولا برهان تحتجون به على أنها آلهة ، كما قال تعالى في آية أخرى : (ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) [يوسف ١٢ / ٤٠].
ثم بيّن الله تعالى منشأ عبادتها ، فقال :
(إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ، وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ ، وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى) أي ما يتبعون في تسمية الأصنام آلهة إلا مجرد وهم أو ظن لا يغني من الحق شيئا ، ولا يتبعون إلا ما تهواه نفوسهم وتميل إليه وتشتهيه ، من غير التفات