ثم أنكر الله تعالى على المشركين فيما اختلفوا فيه من عبادة غيره بلا دليل ولا حجة ، فقال :
(أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ) أي أأنزلنا عليهم في عبادة الأوثان حجة وكتابا فيه تقرير ما يفعلون ، وينطق أو يدل ويشهد بشركهم؟! وهذا استفهام إنكاري معناه أنه لم يكن شيء من ذلك ، فلم ينزل الله عليهم كتابا بما يقولون ، ولا أرسل رسولا ، وإنما هو شيء اخترعوه ، وفي ضلالتهم يترددون.
وبعد ان بيّن الله تعالى حال المشرك الظاهر شركه ، بيّن حال المشرك الذي دونه ، وهو من تكون عبادته الله للدنيا ، فإذا آتاه منها رضي ، وإذا منعه سخط وقنط ، فقال :
(وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها ، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) أي إذا أنعم الله على بعض الناس نعمة بطر بها ، كما قال : (ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي ، إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ) [هود ١١ / ١٠] أي يفرح في نفسه ، ويفخر على غيره ؛ وإذا أصابته شدة أو شر قنط وأيس من رحمة الله وسخط ؛ لأن إصابته بالسيئة كان بسبب شؤم معصيته.
ويلاحظ أنه تعالى لم يذكر عند النعمة سببا لها لتفضله بها ، وذكر عند العذاب سببا تحقيقا للعدل.
وهذا إنكار على الإنسان وطبيعته ، لكن في آية أخرى عقب آية هود المتقدمة استثنى تعالى المؤمنين الصابرين فقال : (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [هود ١١ / ١١] أي الذين صبروا في الضراء وعملوا الصالحات ، كما ثبت في الصحيح عند أحمد ومسلم عن صهيب : «عجبا للمؤمن ، لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرا له ، إن أصابته سرّاء شكر ، فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر ، فكان خيرا له».