(قُلِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أي قل أيها الرسول : الحمد لله على اعترافكم ، إذ قامت الحجة عليكم بإلجائكم إليه ، وأن دلائل التوحيد واضحة ، لا يكاد ينكرها أحد ، ولكن أكثر المشركين لا يعلمون أنه ينبغي ألا يعبد مع الله غيره ، وأن هذه الحجة تلزمهم ، وتبين تناقضهم ، وأنهم لم ينتبهوا مع وجود هذا التنبيه.
وبعد انتزاع هذا الاعتراف الصريح بوجود الله وتوحيده ، استدل الله تعالى على ذلك بقوله :
(لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ، إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) أي لله جميع ما في السموات وما في الأرض ملكا وخلقا وعبيدا وتصرفا ، وليس ذلك لأحد سواه ، فلا يستحق العبادة غيره ، لأنه الغني عما سواه ، وكل شيء فقير إليه ، وهم مملوكون له ، محتاجون إليه ، وهو المحمود في الأمور كلها ، وعلى نعمه التي أنعم بها ، وعلى ما خلق وشرع.
ومنعا لإيهام قوله تعالى : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) تناهي ملكه بحصره في الموجود في السموات والأرض ، أبان تعالى أن في قدرته وعلمه عجائب لا نهاية لها ، فقال :
(وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ ، وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ، ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ ، إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) أي ولو أن جميع أشجار الأرض جعلت أقلاما ، وجعل البحر مدادا (حبرا) وأمده سبعة أبحر معه ، فكتبت بها كلمات الله الدالة على عظمته وصفاته وجلاله ، لتكسرت الأقلام ، ونفد ماء البحر ، ولو جاء أمثالها مددا ، إن الله قوي لا يعجزه شيء ، حكيم في صنعه ، لا يخرج عن علمه وحكمته شيء ، كامل القدرة ، فيكون له مقدورات لا نهاية لها.
وإنما ذكرت السبعة على وجه المبالغة ، ولم يرد الحصر ، كما لم يرد أن هناك