فقلعها ، فقال الشافعي وأحمد : لا شيء عليه ، لما أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن أبي هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من اطلع في دار قوم بغير إذنهم ، ففقئوا عينه ، فقد هدرت عينه» وعبارة مسلم : «من اطلع في بيت قوم من غير إذنهم ، حلّ لهم أن يفقؤوا عينه». وروى سهل بن سعد رضياللهعنه أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال لمن اطلع في إحدى حجراته ، وكانت في يده مدرى يحك بها رأسه : «لو كنت أعلم أنك تنظر لطعنت بها في عينك».
وقال أبو حنيفة ومالك : إن فقأ عينه فعليه الضمان من قصاص أو أرش (تعويض أو دية) لعموم قوله تعالى : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) [المائدة ٥ / ٤٥]. ثم إن الاعتداء جناية ، يستوجب الأرش أو القصاص. أما الأحاديث السابقة فهي منسوخة ، وكان ذلك قبل نزول قوله تعالى : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) [النحل ١٦ / ١٢٦]. ويحتمل أن يكون ذلك على وجه الوعيد لا على وجه الحتم ، والخبر إذا كان مخالفا لكتاب الله تعالى لا يجوز العمل به. وقد كان النبي صلىاللهعليهوسلم يتكلم بالكلام في الظاهر ، وهو يريد شيئا آخر ؛ كما جاء في الخبر أن عباس بن مرداس لما مدحه قال لبلال : «قم فاقطع لسانه» وإنما أراد بذلك أن يدفع إليه شيئا ، ولم يرد به القطع في الحقيقة. وكذلك هذا يحتمل أن يراد بفقء العين أن يعمل به عملا حتى لا ينظر بعد ذلك في بيت غيره.
٢ ـ تحريم الدخول إلى بيت الآخرين إذا لم يوجد فيه صاحبه حتى يؤذن له ، وهذا مستفاد من الآية : (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً) والصحيح أن هذه الآية مرتبطة بما قبلها ، التقدير : يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا ، فإن أذن لكم فادخلوا ، وإلا فارجعوا ، فإن لم تجدوا فيها أحدا يأذن لكم ، فلا تدخلوها حتى تجدوا إذنا.