والظاهر أن الاستئذان متقدم على السلام ؛ لأن الأصل في الترتيب الذّكري أن يكون على وفق الترتيب الواقعي ، وبه قال بعض العلماء ، والجمهور على تقديم السلام على الاستئذان ، بدليل ما أخرجه الترمذي عن جابر رضياللهعنه : «السلام قبل الكلام» وما أخرجه البخاري في الأدب المفرد وابن أبي شيبة عن أبي هريرة فيمن يستأذن قبل أن يسلم قال : لا يؤذن له حتى يسلم ، وما أخرجه قاسم بن أصبغ وابن عبد البر عن ابن عباس قال : استأذن عمر رضياللهعنه على النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : «السلام على رسول الله ، السلام عليكم ، أيدخل عمر؟».
والسلام يكون أيضا ثلاثا كما أخرج الإمام أحمد عن أنس أن النبي صلىاللهعليهوسلم استأذن على سعد بن عبادة فقال : «السلام عليك ورحمة الله» فقال سعد : وعليك السلام ورحمة الله ، ولم يسمع النبي صلىاللهعليهوسلم حتى سلم ثلاثا ، ورد عليه سعد ثلاثا.
والحكمة من الاستئذان والسلام تحاشي الاطلاع على العورات ، بدليل ما رواه أبو داود عن هزيل قال : جاء رجل (قال عثمان : سعد) فوقف على باب النبي صلىاللهعليهوسلم يستأذن ، فقام على الباب ، ـ قال عثمان : مستقبل الباب ـ فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم «هكذا عنك ـ أو هكذا ـ فإنما الاستئذان من النظر» وفي الصحيحين عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن ، فخذفته بحصاة ، ففقأت عينه ، ما كان عليك من جناح».
والمراد من هذين الحديثين أن من أدب الاستئذان ألا يستقبل المستأذن الباب بوجهه ، وإنما يجعله عن يمينه أو شماله ، وألا ينظر إلى داخل البيت ، روي أن أبا سعيد الخدري استأذن على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو مستقبل الباب ، فقال عليه الصلاة والسلام : «لا تستأذن وأنت مستقبل الباب» وذلك سواء أكان الباب مغلقا أم مفتوحا ؛ فإن الطارق قد يقع نظره عند الفتح له على ما لا يجوز أو ما يكره أهل البيت اطلاعه عليه.