جار مجرى التعليل بعد استثناء إبليس من الساجدين. وقوله : (فَفَسَقَ ..) الفاء للتسبيب أيضا ، جعل كونه من الجن سببا في فسقه ؛ لأنه لو كان ملكا لم يفسق عن أمر ربه ؛ لأن الملائكة معصومون ، على عكس الجن والإنس.
وأما ما ذكر في آية أخرى أنه من الملائكة ، فلا يعارض هذه الآية ؛ لأنه قد يطلق على الملائكة أنهم جن لاستتارهم عن أعين الناس.
ثم عقب الله تعالى على القصة بقوله :
(أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ؟) أي أنه تعالى يعجب ممن يطيع إبليس وجنده في الكفر والمعاصي ، ويحذر من اتباعه بعد ما عرف موقفه من أبيهم آدم ، ويوبخ ويقرع من اتّبعه وأطاعه ، متخذا له ولجنده ونسله نصراء من دون الله ، وبدلا عنه ، لذا قال :
(بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) أي بئس البدل للكافرين الظالمين أنفسهم وهو اتخاذ إبليس وذريته أولياء من دون الله ، وهو المنعم عليهم.
ومما يدل على أن إبليس ليس من الملائكة أنه تعالى أثبت له ذرية ونسلا في هذه الآية ، والملائكة ليس لهم ذرية ولا نسل ، فوجب ألا يكون إبليس من الملائكة.
ثم سلب الله تعالى الولاية عمن دونه من الشركاء والأبالسة ، فقال :
(ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ) الذي ذهب إليه الأكثرون أن المعنى : ما أشهدت الذين اتخذتموهم أولياء من الشركاء خلق السموات والأرض ، ولا أشهدت بعضهم خلق بعض ، فهم عبيد أمثالكم لا يملكون شيئا ، ولا كانوا موجودين عند خلق السموات والأرض. وهؤلاء الشركاء هم الذين وسوس لكم إبليس في شأنهم ، حتى اتخذتموهم شركاء لي.