(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ..) أي واذكر لهم يا محمد إذ أمرنا جميع الملائكة بالإلهام أن يسجدوا لآدم سجود تحية وإكرام ، تكريما للنوع الإنساني ، كما ذكر مرارا في آيات كثيرة من القرآن الكريم ، منها : في سورة البقرة : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ : اسْجُدُوا لِآدَمَ ، فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ ، وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) [٣٤] ، ومنها في سورة الحجر : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ : إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ. فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ، فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) [٢٨ ـ ٢٩] ، ومنها في سورة الكهف : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ : اسْجُدُوا لِآدَمَ ، فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِ) [٥٠].
وسبب إباء إبليس السجود لآدم : اغتراره بأصله ، فإنه خلق من مارج من نار ، وأصل خلق الملائكة من نور ، وخلق آدم من تراب ، كما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة مرفوعا : «خلقت الملائكة من نور ، وخلق إبليس من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم» ، وبان من الآية السابقة أن إبليس من الجن ، كما بان من آية أخرى أنه خلق من نار ، وخلق آدم من طين ، كما قال : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ، خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ ، وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) [ص ٣٨ / ٧٦].
قال الحسن البصري : ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط ، وإنه لأصل الجن ، كما أن آدم عليهالسلام أصل البشر.
(كانَ مِنَ الْجِنِ) أي أن سبب عصيانه أنه كان من عنصر الجن ، فلم يعمل مثل ما عملوا ، لذا قال :
(فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) أي فخرج عن طاعة الله ، فإن الفسق هو الخروج ، يقال : فسقت الرطبة : إذا خرجت من أكمامها أو قشرها ، ودل هذا على أن فسقه بسبب كونه من الجن أي الشياطين ، وشأن الجن التمرد والعصيان ، لخبث ذواتهم. والخلاصة : أن قوله تعالى : (كانَ مِنَ الْجِنِ) كلام مستأنف