بعثتهم من نومهم صحاح الأبدان بعد ثلاث مائة سنة وتسع سنين :
قال تعالى : (وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ ...) أي كما زدناهم هدى وأنمناهم ، وحفظنا أجسادهم من البلى والفناء ، وأبقيناهم أحياء من غير أكل ولا شرب مدة طويلة من الزمان ، ونقلبهم ، فكذلك بعثناهم ، أي أحييناهم من تلك النومة التي تشبه الموت ، لنعرّفهم مدى قدرتنا وعجيب فعلنا في الناس ، وليتبصروا في أمرهم وليتساءلوا بينهم ، واللام هنا لام العاقبة أو الصيرورة : فقال قائل منهم : كم لبثتم ، أي كم رقدتم في نومكم؟ لإحساسهم بطول الرقاد. (قالُوا : لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) أي أجاب بعضهم قائلا : لبثنا في تقديرنا يوما كاملا أو جزءا من اليوم ؛ لأنه كان دخولهم إلى الكهف في أول النهار ، واستيقاظهم كان في أخر النهار ، لذا استدركوا فقالوا : (أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ).
(قالُوا : رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ) أجاب بعض آخر : ربكم أعلم بأمركم ، وبمقدار لبثكم ، وهذا استشعار منهم وتردد بكثرة نومهم ، لما رأوا حالهم متغيرة ، أي فالله أعلم منكم ، وأنتم لا تعلمون مدة لبثكم ، وهذا أدب الإيمان اليقظ في الرد على جواب البعض الأول.
الوكالة في شراء الطعام :
ثم تذاكروا فيما بينهم وقرروا البحث في المهم من أمرهم وهو احتياجهم إلى الطعام والشراب ، فقالوا :
(فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ) أي فأرسلوا أحدكم بدراهمكم أو فضتكم هذه التي استصحبوها معهم من منازلهم ، لتغطية حوائجهم ، إلى المدينة وهي «طرسوس» أي مدينتكم التي خرجتم منها ، كما أكد الرازي (١).
__________________
(١) تفسير الرازي : ٢١ / ١٠٣