لو لا هذا الحكم الإلهي السابق إبرامه لنالكم أيها المؤمنون فيما أخذتم من الفداء عذاب عظيم وقعة ، شديد هوله. وفي هذا تهويل لخطر ما فعلوا.
وبعد أن عاتبهم الله تعالى على أخذ الفداء ، أباحه لهم وجعله من جملة الغنائم المباحة التي أبيحت لهم في مطلع السورة ، فقال : (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ ...) أي أبحت لكم الغنائم فكلوا مما غنمتم من الفدية ، حال كونه حلالا لكم ، طيبا بنفسه لا حرمة فيه لذاته ، كحرمة الدم ولحم الخنزير ، أو كلوه أكلا حلالا لا شبهة فيه. والفائدة إزاحة ما وقع في نفوسهم من أكل الفداء بسبب تلك المعاتبة أو حرمة الغنائم على الأولين.
واتقوا الله في مخالفة أوامره ، ولا تعودوا لشيء من المخالفة لأمره ونهيه ، ولا ترتكبوا المعاصي بعد ذلك ، إن الله غفور لذنوبكم بأخذ الفداء ، رحيم بكم بإباحته لكم ما أخذتم ، ومن رحمته : قبوله التوبة عن عباده وعفوه عن السيئات.
والخلاصة : أن مفاداة الأسرى أو المنّ عليهم بإطلاق سراحهم لا يكون إلا بعد توافر الغلبة والسلطان على الأعداء ، وإظهار هيبة الدولة في وجه الآخرين.
وبعد أن أخذ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الفداء من الأسرى ، وشق عليهم أخذ أموالهم منهم ، أنزل هذه الآية : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ ...) استمالة لهم ، وترغيبا لهم في الإسلام ببيان ما فيه من خيري الدنيا والآخرة ، وتهديدا وإنذارا لهم إذا بقوا على الكفر.
ومعنى الآية : يا أيها النبي قل لمن وقع في أيديكم من أسرى المشركين الذين أخذتم منهم الفداء : إن يعلم الله في قلوبكم الآن أو في المستقبل إيمانا وإخلاصا وحسن نية وعزما على طاعة الله والرسول في جميع التكاليف ، والتوبة عن الكفر ، وعن جميع المعاصي ، ومنها العزم على نصرة الرسول والتوبة عن محاربته ، يؤتكم