فيه ، لإظهار عزة الإسلام والمسلمين. وإرهاب الدولة أعداءها ، واشتداد أمرها ، فلا يتجرأ على النيل منها أحد ، ولا يقدم على إضعافها والتجسس عليها أحد من الأسرى الذين تركوا يعودون لديارهم بفداء مالي.
فالذين يرون قبول الفداء إنما يريدون الحصول على عرض الدنيا (١) أي حطام الدنيا الفاني ، والله يريد لكم ثواب الآخرة الدائم وما هو سبب الجنة بما يشرعه لكم من الأحكام المؤدية إليه ، ومنها الإثخان في القتل في الأرض ، وإعزاز الدين ، والقضاء على الأعداء ، لإعلاء كلمة الحق ، وإقامة العدل ، وإقرار النظام الأصلح للبشرية.
والله عزيز يغلّب أولياءه على أعدائه ، ويمكنهم منهم قتلا وأسرا ، حكيم في أفعاله وأوامره ، يشرع لكل حال ما يليق به ، ويخصه به ، كالأمر بالإثخان ومنع أخذ الفداء حين كانت الشوكة والقوة للمشركين ، وبذلك تتحقق عزة المؤمنين كما قال تعالى : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون ٦٣ / ٨].
لو لا كتاب من الله سبق أي لو لا حكم من الله سبق إثباته في اللوح المحفوظ (٢) : وهو أنه لا يعاقب المخطئ في اجتهاده ؛ لأن أصحاب هذا الرأي نظروا ورأوا أن استبقاءهم ربما كان سببا في إسلامهم وتوبتهم ، وأن فداءهم يتقوّى به على الجهاد في سبيل الله ، وخفي عليهم أن قتلهم أعز للإسلام ، وأهيب لمن وراءهم ، وأضعف لشوكتهم.
وقيل : إن الحكم الذي سبق هو ألا يعذب أهل بدر فهم مغفور لهم ، أو ألا يعذب قوما إلا بعد تأكيد الحجة والبيان ، والتصريح المتقدم بالنهي عن الفداء ، ولم يكن قد تقدم نهي عن ذلك ، أو أنهم استعجلوا في استباحة الغنائم ، ولم تكن قد أحلت لهم ، والله تعالى سيحلها لهم.
__________________
(١) إنما سميت منافع الدنيا ومتاعها عرضا ؛ لأنه لا ثبات له ولا دوام ، فكأنه يعرض ثم يزول.
(٢) سيأتي جواب : لو لا في مطلع الصفحة الآتية.