هزيمتكم. فعندئذ تبين للقوم أن ذلك الشخص ما كان سراقة ، بل كان شيطانا (١).
هذا موقف الشيطان ، ثم ذكر الله تعالى موقف المنافقين ، فقال : (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ ...) أي اذكر أيها النبي حين قال المنافقون ومرضى القلوب ، أي ضعفاء الاعتقاد والإيمان ، وقد رأوا قلة المسلمين وكثرة المشركين : (غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ) أي أن المسلمين اغتروا بدينهم ، وتقووا به ، وظنوا أنهم ينصرون من أجله ، فخرجوا وهم ثلاثمائة وبضعة عشر إلى زهاء ألف. وهذا صحيح في موازين القوى العسكرية ، وتقدير مدى تكافؤ الجيشين في أنظار الناس عادة ، ولكنه في ميزان الله وتقديره غير يقيني : (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ ، وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة ٢ / ٢٤٩] لذا قال تعالى في ختام الآية : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ...) أي ومن يفوض أمره إلى الله ، ويثق به ، ويلجأ إليه ، فهو حسبه وناصره ومؤيده ، والله عزيز غالب لا يدرك ، حكيم في فعله وصنعه ، عليم بخلقه ، ينصر من يشاء ، وبخاصة اقتضت سنته أن ينصر الحق على الباطل ، ويسلط القليل الضعيف على الكثير القوى. وقوله : (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) يجوز أن يكون من صفات المنافقين ، وأن يراد بهم الذين ليسوا بثابتي الأقدام في الإسلام ، كالمؤلفة قلوبهم ، والأولى أنهما صنف واحد.
فقه الحياة أو الأحكام :
ما أشبه موقف المنافقين بموقف الشيطان ، إنه موقف المتخاذل المتفرج ، المحرّض على الشر ، ثم المتخلي عن المؤازرة وقت الشدة والمحنة.
أما الشيطان : فيوسوس بالباطل لأعوانه ، ثم يحجم عن الشيء الذي زين به ، وحبّب فيه ، وأغرى الناس عليه. فالواجب على العاقل الحذر منه ،
__________________
(١) تفسير الرازي : ١٥ / ١٧٤ ـ ١٧٥.