فهم كفروا بالله ورسوله وبما جاء به ، والأعمال إنما تصح بالإيمان ، كما ذكرت ، ولا يصلون إلا وهم متكاسلون ؛ لأنهم لا يرجون بصلاتهم ثوابا ، ولا يخشون بتركها عقابا ، فهي ثقيلة عليهم ، كقوله تعالى : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) [البقرة ٢ / ٤٥].
ولا ينفقون نفقة في سبيل الجهاد وغيره إلا وهم كارهون لها ، لا تطيب بها أنفسهم ؛ لأنهم لا ينفقون لغرض الطاعة ، بل رعاية للمصلحة الظاهرة ، وسترا للنفاق ، ويعدون الإنفاق مغرما وخسارة بينهم. وقد أخبر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن الله لا يمل حتى تملوا ، وأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ، فلهذا لا يقبل الله من هؤلاء المنافقين نفقة ولا عملا ؛ لأنه إنما يتقبل من المتقين ، وما طوعهم ذاك إلا عن كراهية واضطرار ، لا عن رغبة واختيار.
فلا تعجبك أيها النبي وأيها السامع أموالهم ولا أولادهم ولا سائر نعم الله عليهم ، فإنما هي من أسباب المحن والآفات عليهم. والإعجاب بالشيء : السرور به مع التعجب والافتخار من حسنه ، والاعتقاد أنه ليس لغيره ما يساويه.
أما أموالهم في الدنيا فهي سبب لتعذيبهم بها حيث يتعبون في جمعها ، ويصحبها الهم والقلق ، ثم ينفقونها كارهين في الجهاد والزكاة وفي سبيل الله وتقوية المسلمين ، وكذلك أولادهم ربما يموتون في الحروب ، فيحزنون عليهم أشد الحزن ، وفي الآخرة يعذبون عذابا شديدا ، حيث يموتون على الكفر الذي يحبط العمل الصالح ، وهذا من قبيل الاستدراج لهم فيما هم فيه ، وتكون النتيجة أنهم خسروا الدنيا والآخرة ، وذلك هو الخسران المبين. والاستدراج بالنعم : الإمداد بها مع البقاء على المعصية ، مثل قوله تعالى : (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) [آل عمران ٣ / ١٧٨].
فما يظنون أنه من منافع الدنيا هو في الحقيقة سبب لعذابهم وبلائهم ، وبه