وأخرنا المحرم ، ثم صاروا ينسئون غير المحرم ، فتتغير حقائق الشهور كلها ، حتى رفضوا تخصيص الأشهر الحرم بالتحريم ، وحرموا أربعة أشهر من شهور العام اكتفاء بمجرد العدد.
لذا ذم الله تعالى تصرفهم وتلاعبهم بالشهور القمرية ، فقال : (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) أي إن تأخير حرمة شهر إلى آخر ، وقلب وضع التحريم والتحليل زيادة في أصل كفرهم القائم على الشرك وعبادة الأصنام ، وتغيير لملة إبراهيم بسوء التأويل ، ولأن الكافر كلما أحدث معصية ازداد كفرا.
(يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي يوقع النسيء الذين كفروا في ضلال زيادة على ضلالهم القديم. وعلى قراءة يضل المبني للمعلوم معناه : يضلهم الله ، فيحلون الشهر المؤخر عاما ، ويحرمونه عاما.
(لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ) أي ليوافقوا في مجرد العدد الأربعة الأشهر الحرم.
(فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ) أي فيحلوا بهذه المواطأة ما حرمه الله تعالى من القتال ، بتأخير هذا الشهر الحرام.
(زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ) أي حسّن الشيطان لهم أعمالهم السيئة ، فظنوا ما كان سيئا حسنا ، وتوهموا شبهتهم الباطلة أنها صواب.
(وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) أي لا يوفق ولا يرشد القوم الضالين الذين يختارون السيئات ، إلى الحكمة والخير والصواب وفهم الحكمة من أحكام الشرع ، وإنما يخذلهم ولا يلطف بهم ؛ لأن الهداية المؤدية إلى السعادة في الدارين من آثار الإيمان والعمل الصالح ، كما قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) [يونس ١٠ / ٩].