بأنه مبطل ، لقيام الحجة عليه. وهذا برهان عملي محسوس ، والمحسوسات أو التجارب أوقع أثرا في الاستدلال من البراهين النظرية أو العقلية المجردة.
وإن الله لسميع عليم ، أي لا يخفى عليه شيء من أقوال الكافرين والمؤمنين ، ولا من عقائدهم وأفعالهم ، فهو سميع لما قاله الكافرون ، وعليم بأحوالهم ، وسميع لدعاء المؤمنين وتضرعهم واستغاثتهم ، وعليم بهم وبأنهم يستحقون النصر على أعدائهم ، ويجازي كلا بما يسمع ويعلم.
واذكر أيها النبي إذ يريك الله الكفار في منامك قليلا أي ضعفاء ، فتخبر أصحابك بذلك ، فتثبت قلوبهم ، وتطمئن نفوسهم.
ولو أراكهم كثيرا أي أقوياء في الواقع لجبنتم عنهم ، واختلفتم فيما بينكم ، وتنازعتم في شأن القتال ؛ إذ منهم قوي الإيمان والعزيمة ، ومنهم الضعيف الذي يحسب للأمر ألف حساب.
ولكن الله سلّم من ذلك الفشل (الجبن) والتنازع ، بأن أراكهم قليلا ، إنه تعالى عليم بذات الصدور أي بما تخفيه الصدور ، وتنطوي عليه النفوس من شعور الضعف والجزع الذي يؤدي إلى الانثناء عن القتال.
واذكروا أيها الرسول والمؤمنون الوقت الذي يريكم الله الكفار قبل القتال عددا قليلا ، في رأي العين المجردة ، حتى تجرأتم وارتفعت معنوياتكم ، ويجعلكم بالفعل قلة في أعين الكفار ، فيغتروا ، ولا يعدوا العدة لكم ، حتى قال أبو جهل : «إنما أصحاب محمد أكلة جزور ، خذوهم أخذا ، واربطوهم بالحبال» أي أنهم عدد قليل يكفيهم جزور واحد في اليوم ، ويشبعهم لحم ناقة.
ليقضي الله أمرا كان مفعولا ، أي فعل كل ذلك ليمهد للحرب ، فتكون سبيلا في علمه تعالى لنصرة المؤمنين وإعزاز الإسلام ، وهزيمة الكافرين وإذلال الكفر والشرك.