ولو تواعدتم أنتم والمشركون في مكان للقتال ، لاختلفتم في الميعاد ، خوفا من القتال ؛ لقلتكم وقوة عدد أعدائكم ، ولأنهم كانوا يهابون قتال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ولكن تلاقيكم عن غير موعد ولا رغبة في القتال ، ليقضي الله ما أراد بقدرته وحكمته وعلمه من إعزاز الإسلام ونصر أهله ، وإذلال الشرك وخذلان أهله ، ولينفذ أو يحقق أمرا كان مبرما وواجبا أن يفعل ، وهو نصر أوليائه المؤمنين ، وقهر أعدائه الكافرين بعد ذلك اللقاء ، فيزداد المؤمنون إيمانا ، وامتثالا لأمر الله ويظهروا الشكر له.
وكان لهذا اللقاء أثر آخر على المدى البعيد ، وهو أن يموت من يموت من الكفار عن حجة بيّنة عاينها بالبصر تثبت حقيقة الإسلام ، ويعيش من يعيش من المؤمنين عن حجة شاهدها بإعزاز الله دينه ، لئلا يكون له حجة ومعذرة ، فإن وقعة بدر من الآيات الواضحة التي ترسخ الإيمان ، وتدفع إلى صالح الأعمال ، وتحقق قوله تعالى : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) [القمر ٥٤ / ٤٥].
ويصح تفسير (لِيَهْلِكَ) و (يَحْيى) بالاستعارة ، وهي استعارة الهلاك والحياة للكفر والإسلام ، والمعنى : ليكفر من كفر بعد قيام الحجة عليه وظهور الآية والعبرة ، ويؤمن من آمن على مثل ذلك ، أي بعد الحجة لما رأي من الآية والعبرة ، وبه حقا كانت موقعة بدر فرقانا بين الحق والباطل ، قامت بها الحجة للمؤمنين بنصرهم كما بشرهم نبيهم ، والحجة على الكافرين بهزيمتهم ؛ لأنهم جند الباطل.
وتوضيح المعنى : أنه تعالى يقول : إنما جمعكم مع عدوكم في مكان واحد على غير ميعاد ، لينصركم عليهم ، ويرفع كلمة الحق على الباطل ، ليصير الأمر ظاهرا ، والحجة قاطعة ، والبراهين ساطعة ، ولا يبقى لأحد حجة ولا شبهة ، فحينئذ يهلك من هلك أي يستمر في الكفر من استمر فيه على بصيرة من أمره :