المناسبة :
بعد أن ذكر الله في أول السورة البراءة عن الكفار ، وذكر أنواع فضائحهم وقبائحهم الموجبة تلك البراءة ، احتجوا بأن هذه البراءة غير جائزة ، وأنه يجب أن تكون المخالطة والمناصرة حاصلة ؛ لأنهم موصوفون بصفات حميدة وخصال مرضية ، ومن جملتها كونهم عامرين للمسجد الحرام ، كما ورد في سبب النزول.
وكذلك ناسب أن يذكر بعد نبذ العهود منع عبادة الشرك من المسجد الحرام ، وإبطال حق المشركين في الإشراف عليه وخدمته ، وذلك مناسب لنقض عهودهم.
التفسير والبيان :
ما ينبغي للمشركين بالله ، وما صح لهم وما استقام أن يعمروا مساجد الله التي منها المسجد الحرام بالإقامة فيه للعبادة ، أو للخدمة والولاية عليه ، ولا أن يدخلوه حجاجا أو عمّارا ، وهم شاهدون على أنفسهم بالكفر ، أي بشهادة الحال والمقال ، بأن يعبدوا الأصنام ، وأن يطوفوا بالبيت عراة ، وكلما طافوا بالكعبة شوطا سجدوا لها. وقيل : هو قولهم : «لبيك لا شريك لك ، إلا شريك هو لك تملكه وما ملك» فهذه شهادتهم بالكفر ثابتة قولا وعملا ، أما القول فهذا ، وأما العمل فهو عبادة الأصنام.
فهم بهذا جمعوا بين الضدين ، وبين أمرين متنافيين لا يعقل الجمع بينهما على وجه صحيح : عمارة بيت الله مع الكفر به.
أولئك المشركون بالله حبطت أعمالهم أي بشركهم ، وبطلت فلا ثواب لهم ، وهم في نار جهنم خالدون لعظم ما ارتكبوه أي ماكثون مقيمون إقامة خلود وبقاء ، فإن الكفر محبط للعمل ولا ثواب لصاحبه في الآخرة ، بدليل آيات كثيرة في القرآن الكريم منها : (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ)