ابن كثير : والغرض أنّ من قدم من دار الحرب إلى دار الإسلام في أداء رسالة أو تجارة أو طلب صلح أو مهادنة أو حمل جزية أو نحو ذلك من الأسباب ، وطلب من الإمام أو نائبه أمانا ، أعطي أمانا ، ما دام متردّدا في دار الإسلام ، وحتى يرجع إلى مأمنه ووطنه (١).
ونص الحنفيّة والشافعيّة وغيرهم على أن الحربي إذا دخل دار الإسلام مستجيرا لغرض شرعي كسماع كلام الله ، أو دخل بأمان للتّجارة ، وجب تأمينه وحماية نفسه وماله ، إلى أن يبلغ داره التي يأمن فيها ، فإن دخل الحربي دار الإسلام بلا أمان ، كان مغنوما مع ماله. وقال ابن العربي : الآية إنما هي فيمن يريد سماع القرآن والنّظر في الإسلام ، فأما الإجارة لغير ذلك فإنما هي لمصلحة المسلمين ومنفعتهم (٢).
ولا يقتصر الأمر على مجرد كون المستجير طالبا لسماع القرآن ، كما صرّحت الآية ، وإنما يلحق به كونه طالبا لسماع الأدلّة على كون الإسلام حقّا ، وكونه طالبا الجواب عن الشّبهات التي عنده ؛ لأن كلّ هؤلاء يطلبون العلم ويسترشدون عن الحقّ.
والمراد بالسّماع : أن يسمع ما تقوم به الحجّة ، ويتبيّن به بطلان الشّرك وحقيقة التّوحيد والبعث وصدق الرّسول في تبليغه عن الله ، وكلّ ما يدلّ على أنّ الإسلام حقّ ، سواء أكان سورة براءة أو جميع القرآن ، أو غير ذلك من الأدلّة العقليّة والبراهين العلميّة.
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ٢ / ٣٣٧
(٢) أحكام القرآن : ٢ / ٧٩١