وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال» ورواه مسلم أيضا عن أبي هريرة بلفظ آخر. قال كثير من العلماء : المراد بقوله : «وكثرة السؤال» التكثير من السؤال في المسائل الفقهية تنطّعا ، وتكلفا فيما لم ينزل ، والأغلوطات ، وتشقيق المولدات ، وقد كان السلف يكرهون ذلك ويرونه من التكلّف.
يفهم من ذلك أن السؤال لإيضاح المجمل الغامض من القرآن مباح ، مثل السؤال عن البيان الشافي في تحريم الخمر بعد نزول آية البقرة. أما السؤال عما لا يفيد أو عن حكم مسألة لم تحرّم أو لم يكلف بها المسلمون ، أو عما لا حاجة إلى السؤال فيه وكان في الإجابة عنه زيادة كلفة ومشقة ، فهو حرام.
(عَفَا اللهُ عَنْها وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) أي عفا الله عما لم يذكره في كتابه فهو مما عفا الله عنه وسكت عليه ، فاسكتوا أنتم عنها كما سكت عنها ، والله غفور لمن أخطأ في السؤال وتاب ، حليم لا يعاجلكم بالعقوبة على ما فرطتم أو قصّرتم فيه. روى الدار قطني وغيره عن أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر رضي الله تعالى عنه عن رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحدّ حدودا فلا تعتدوها ، وحرّم أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء ، رحمة لكم غير نسيان ، فلا تبحثوا عنها».
ثم بيّن الله تعالى حالة بعض الأقوام السابقين مثل قوم صالح الذين سألوا عن مسائل ثم أهملوا حكمها ، فقال : (قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ..) أي قد سأل هذه المسائل المنهي عنها قوم من قبلكم ، فأجيبوا عنها ، ثم لم يؤمنوا بها ، فأصبحوا بها كافرين ، أي بسببها ، والمعنى : أني بينت لهم ، فلم ينتفعوا بها ؛ لأنهم لم يسألوا على وجه الاسترشاد ، بل على وجه الاستهزاء والعناد. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة : عبد الرحمن بن صخر رضي الله تعالى عنه قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه ، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم ، واختلافهم على أنبيائهم».