تنبيها على أن من لم يثبت أمام هذه الأشياء ، علما بأن الصيد طعام لذيذ شهي وخصوصا في الأسفار ، فكيف يثبت عند شدائد المحن؟! والامتحان بترك ما ينال بسهولة ، وهو طيب ، أشق على النفس وأدل على التقوى والخوف من الله ، من ترك ما لا ينال إلا بمشقة ، وهو قليل الأهمية.
وكذلك يكون الصيد بالفخ والحبالة ونحوها من الوسائل ، وما وقع فيها يكون لصاحبها ، فإن ألجأ الصيد إليها أحد كان صاحبها شريكه فيه.
ثم بيّن الله تعالى سبب الابتلاء أو الاختبار بقوله : (لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ) أي يبتليكم الله حال إحرامكم ليظهر ما علمه أزلا من أهل طاعته ومعصيته أنه حاصل منهم في حال الحياة ، وأن صلابة الإيمان تظهر الخوف من الله تعالى في حال أسر والخفية كما في حال الجهر والعلانية. والخلاصة : إنه تعالى يريد أن يعاملكم معاملة المختبر ، وإن كان هو عالما به منذ الأزل ، لتزكية النفوس وتطهيرها وصقلها.
(فَمَنِ اعْتَدى ...) أي فمن تجاوز حدود الله بعد هذا البيان الشافي في الصيد ، فله عذاب شديد الألم في الآخرة ؛ إذ هو لم يبال باختبار الله له ؛ لأن المخالفة بعد الإنذار مكابرة وعدم مبالاة.
ثم حرم الله تعالى صيد البر حال الإحرام ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) وهذا النهي العام لكل مسلم ذكر وأنثى هو الابتلاء المذكور في الآية السابقة : (لَيَبْلُوَنَّكُمُ).
فيا أيها الذين صدقوا بالله والرسول والقرآن ، لا تقتلوا صيد البر ـ والقتل يشمل كل ما يزهق الروح ـ وأنتم محرمون بحج أو عمرة ، لا بالمباشرة ولا بالتسبب كالإشارة والدلالة ، ولا في حرم مكة والمدينة وإن لم تكونوا محرمين كما ثبت في