الناس وقالوا : لا حاجة لنا فيما يشغلنا عن الصلاة ، وشربها بعض الناس في غير أوقات الصلاة ، حتى نزلت : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ) فصارت حراما عليهم حتى صار يقول بعضهم : ما حرم الله شيئا أشد من الخمر.
وبه يتبين مع ما ذكر في أسباب النزول المتقدمة والأحاديث الواردة : أن شرب الخمر قبل هذه الآية كان مباحا معمولا به معروفا عندهم ، بحيث لا ينكر ولا يغيّر ، وأن النّبيصلىاللهعليهوسلم أقر عليه ، وهذا مالا خلاف فيه.
٤ ـ فهم الجمهور من تحريم الخمر ، واستخباث الشرع لها ، وإطلاق الرّجس عليها ، والأمر باجتنابها ، الحكم بنجاستها.
وخالفهم في ذلك ربيعة والليث بن سعد والمزني صاحب الشافعي ، وبعض المتأخرين من البغداديين والقرويين ، فرأوا أنها طاهرة ، وأن المحرم إنما هو شربها. وقد استدل سعيد بن الحداد القروي على طهارتها بسفكها في طرق المدينة ، قال : ولو كانت نجسة ، لما فعل ذلك الصحابة رضوان الله عليهم ، ولنهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عنه ، كما نهى عن التخلي في الطرق.
وأجاب القرطبي : بأن الصحابة فعلت ذلك ؛ لأنه لم يكن لهم سروب (١) ولا آبان يريقونها فيها ، إذ الغالب من أحوالهم أنهم لم يكن لهم كنف في بيوتهم. وأيضا فإنه يمكن التحرز منها ، فإن طرق المدينة كانت واسعة ، ولم تكن الخمر من الكثرة بحيث تصير نهرا يعم الطريق كلها ، بل إنما جرت في مواضع يسيرة يمكن التحرز عنها.
وقوله تعالى : (رِجْسٌ) يدل على نجاستها ؛ فإن الرجس في اللسان العربي : النجاسة ، ثم لو التزمنا ألا نحكم بحكم حتى نجد فيه نصا لتعطلت
__________________
(١) السرب : حفيرة تحت الأرض.