ثم يأمر الله رسوله صلىاللهعليهوسلم ومن اتبع طريقته باتباع الوحي وتجنب المشركين بقوله : (اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) أي اقتد به واقتف أثره واعمل به ، فإن ما أوحي إليك من ربك هو الحق الذي لا مرية فيه ؛ لأنه لا إله إلا هو ، واعف عن المشركين واصفح عنهم ، واحتمل أذاهم واصبر عليهم حتى يفتح الله لك ، وينصرك عليهم.
ولو شاء الله ما أشرك المشركون ، بل له المشيئة والحكمة فيما يشاؤه ويختاره ، لا يسأل عما يفعل ، وهم يسألون ، له الحكمة في بقائهم في الضلال ، ولو شاء لهدى الناس جميعا ، بأن يخلقهم مستعدين للإيمان ، لكنه خلقهم مستعدين للكفر ، وترك لهم حرية الاختيار في أعمالهم.
(وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) أي وما جعلناك حافظا تحفظ أقوالهم وأعمالهم ، وما أنت بموكل على أرزاقهم وأمورهم والتصرف في قضاياهم.
أي لست عليهم بمسيطر ، وليس لك صفة الملوك القاهرين ، بل أنت بشير ونذير ، والله يجازيهم ويحاسبهم.
فقه الحياة أو الأحكام :
آي القرآن المتقدمة حجج بيّنة ظاهرة تدل على صدق الرسالة ونبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، ومهمته التبليغ والإنذار ، لا القسر والقهر والإكراه ، ولا الرقابة على أعمال الناس ، فمن أبصر الحق وآمن بدعوة الإسلام والقرآن فلنفسه أبصر ، وإياها نفع ، ومن عمي عنه فعلى نفسه الوبال وإياها ضر.
ومن فضله تعالى أنه كما صرف الآيات في الوعد والوعيد والوعظ والتنبيه في هذه السورة ، يصرف في غيرها على وجوه مختلفة للإقناع والعبرة والعظة ، ولإلزام المشركين بالحجة وليقولوا : درست ، أي وليصير قولهم : «درست»