فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) [يونس ١٠ / ١٠٨] وقوله : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ، وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت ٤١ / ٤٦].
ومعنى قوله : (وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها) أي إنما يعود وبالله عليه ، كقوله تعالى : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ ، وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج ٢٢ / ٤٦].
(وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) أي لست عليكم بحافظ ولا رقيب ، بل إنما أنا مبلّغ ومنذر ، والله يهدي من يشاء ، ويضل من يشاء.
(وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ) أي وكما فصلنا الآيات في هذه السورة من بيان لتوحيد وأنه لا إله إلا هو ، هكذا نوضح الآيات ونفسرها ونبينها في كل موطن ، لجهالة الجاهلين ، وليؤول الأمر بأن يقول المشركون والكافرون المكذبون : درست هذا وقرأته على غيرك ، أو دارست يا محمد من قبلك من أهل الكتاب ، وتعلمت منهم ، وليس وحيا من عند الله.
أي إن تصريف الآيات وتقليبها على وجوه مختلفة بحسب المقامات يستهدف :
١ ـ أن يهتدي بها المستعدون للإيمان.
٢ ـ وأن يقول الجاحدون المعاندون : إنما درست هذا وقرأته على غيرك ، وليس هذا بوحي كما تزعم ، وزعموا أنه تعلم من غلام رومي حداد أعجمي وليس بعربي ، كان يصنع السيوف بمكة ، اسمه «قيس» كما حكى تعالى : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ : إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ، لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ ، وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) [النحل ١٦ / ١٠٣].
٣ ـ (وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) أي ولنوضحه لقوم يعلمون الحق ، فيتبعونه ، والباطل فيجتنبونه ، فالبيان إنما يفيد أهل العلم المدركين الذين يستخدمون بصائرهم في مدلولات القرآن ، فهم الذين يتبين لهم بالتأمل حقيقة القرآن ودلائله. أما الجاهلون الذين لم يفهموا آيات القرآن ، فلا ينتفعون به.