فإذا كان هذا في حق سائر الخليقة ، فكيف يكون إبراهيم الخليل الذي جعله الله أمة ، قانتا لله حنيفا ، ولم يك من المشركين ، ناظرا في هذا المقام ، بل هو أولى بالفطرة السليمة والسجية المستقيمة بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم بلا شك ولا ريب.
ومما يؤيد أنه كان في هذا المقام مناظرا لقومه فيما كانوا فيه من الشرك لا ناظرا : قوله تعالى فيما يأتي : (وَحاجَّهُ قَوْمُهُ ...)(١).
فقه الحياة أو الأحكام :
من أجل إثبات ألوهية الله وربوبيته ناظر إبراهيم وجادل ، وأفحم بالحجة والبرهان ، وله أربع مناظرات :
الأولى ـ مناظرته مع أبيه ، حيث قال له : (يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) [مريم ١٩ / ٤٢] وحكى القرآن خبر هذه المناظرة هنا ، فقال : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ ...).
الثانية ـ مناظرته مع قومه ، وهو قوله : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ ...).
الثالثة ـ مناظرته مع ملك زمانه ، فقال : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) [البقرة ٢ / ٢٥٨].
الرابعة ـ مناظرته مع الكفار بالفعل ، وهو قوله تعالى : (فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ) [الأنبياء ٢١ / ٥٨].
وهذا يدل على قوة إبراهيم ومقدرته في الجدل والمناظرة ، وحضور البديهة لإفحام الخصم ، وإثبات مراده بالبرهان القاطع.
وكان إبراهيم عليهالسلام بارعا في هذا المقام ، حيث أبطل عبادة الكواكب
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ٢ / ١٥١ ـ ١٥٢