خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ، ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ، يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً ، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ ، أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ، تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) [الأعراف ٧ / ٥٤].
والظاهر مما تقدم أن قوم إبراهيم كانوا يتخذون الأصنام آلهة لا أربابا ، ويتخذون الكواكب أربابا آلهة ، والإله : هو المعبود ، والرب : هو السيد المالك المربّي المدبر المتصرف. والعبادة : هي التوجه بالدعاء والتعظيم لخالق الخلق. وليس للخلق إله ولا رب سوى الله.
وموقف إبراهيم كان موقف الممثل للمجادل البارع على سبيل الافتراض أنه غير مؤمن ، أما في الحقيقة والواقع فلم يكن إبراهيم ناظرا في مقام إثبات الألوهية والربوبية ؛ لأن الله قال في حقه : (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ ، وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ. إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ : ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ) [الأنبياء ٢١ / ٥١ ـ ٥٢] وقال تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً ، وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. شاكِراً لِأَنْعُمِهِ ، اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً ، وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ. ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً ، وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [النحل ١٦ / ١٢٠ ـ ١٢٣] وقال تعالى : (قُلْ : إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً ، وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام ٦ / ١٦١]. وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة عن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم أنه قال : «كل مولود يولد على الفطرة» وفي صحيح مسلم عن عياض بن حماد أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «قال الله : إني خلقت عبادي حنفاء» وقال الله في قرآنه المجيد : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ، لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) [الروم ٣٠ / ٣٠] وقال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قالُوا : بَلى) [الأعراف ٧ / ١٧٢].