ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ ، وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) [مريم ١٩ / ٤٢]. وهذا تعريض بجهل قومه في عبادة الكواكب ، قال قتادة : علم أن ربه دائم لا يزول.
ثم انتقل إبراهيم من إبطال ألوهية الكوكب إلى إبطال ألوهية القمر الأكثر إضاءة ، فلما رآه بازغا طالعا قد عم ضوءه الكون ، قال : هذا ربي ، فلما غاب كذلك ، كما غاب الكوكب في الليلة الماضية ، قال إبراهيم مسمعا قومه : ما هذا أيضا بإله ، ولئن لم يهدني ربي ويوفقني للإصابة الحق في توحيده ، لأكوننّ من القوم الضالين ، الذين اخطؤوا الطريق ، فلم يصيبوا الهدى ، وعبدوا غير الله. وفي هذا تعريض قريب من التصريح بضلال قومه وتنبيه لهم على أن من اتخذ القمر إلها ضال أيضا ، وإرشاد إلى توقف معرفة العقيدة على الوحي الإلهي ، ثم صرح في المرة الثالثة بالبراءة من شرك قومه.
فلما رأى الشمس بازغة طالعة ، وهي أعظم الكواكب المرئية لنا وأعمها نفعا وإضاءة ، قال إبراهيم : هذا (١) هو الآن ربي! هذا أكبر من الكواكب والقمر قدرا ، وأعظم ضوءا ونورا ، فهو أولى بالربوبية.
فلما غابت الشمس كما غاب غيرها ، صرح إبراهيم بعقيدته ، وتبرأ من شرك قومه ، قائلا : أنا بريء من عبادة الكواكب وموالاتهن ، إني توجهت في عبادتي لخالق الأرض والسماء (٢) ، وخالق هذه الكواكب ، مائلا عن الضلال إلى الحق والدين القيم ، دين التوحيد ، ولست من زمرة المشركين الذي يتخذون مع الله إلها آخر ، وإنما أعبد خالق هذه الأشياء ومدبرها الذي بيده ملكوت كل شيء ، ، وخالق كل شيء ، وربه ومليكه وإلهه ، كما قال تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي
__________________
(١) إنما قال : هذا عن الشمس وهي مؤنثة ؛ لأنه أراد هذا الطالع أو هذا الذي أراه.
(٢) وقال : وجهت وجهي للذي فطر ، ولم يقل : إلى الذي ؛ لأنه تعالى متعال عن الحيز والجهة ، والمقصود : توجيه القلب لطاعته.