منها ، فإن جميع ما في الأرض مخلوق لمصلحتنا ومنفعتنا.
ودل قوله تعالى : (ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) أي للجزاء على أن البهائم تحشر كما يحشر الناس يوم القيامة ، روى مسلم في صحيحة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لتؤدّن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة ، حتى يقاد للشاة الجلحاء ـ التي لا قرن لها ـ من الشاة القرناء».
ودل قوله : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ) أن كل أمة من الدواب وغيرها تهتدي لمصالحها ، والكفار لا يهتدون ولا ينتفعون بأسماعهم وأبصارهم ، وهم في ظلمات الكفر يتيهون.
وأرشد قوله : (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ ...) إلى أن الضلالة والهداية إلى الإسلام بمشيئة الله ، على وفق علمه وحكمته واطلاعه الأزلي على حال كل إنسان ، والله شاء ضلال الكافر وأراده لينفذ فيه عدله ، ولكن لم يأمره به ، وإنما دعاه إلى الإيمان ، وأراد هداية المؤمن القائم على دين الإسلام ، لينفذ فيه فضله. والمشيئة في الآية راجعة إلى الذين كذبوا ، فمنهم من يضله ومنهم من يهديه.
قال الرازي : وقد ثبت بالدليل أنه تعالى لا يشاء هذا الإضلال إلا لمن يستحق عقوبة ، كما لا يشاء الهدى إلا للمؤمنين. ومشيئة الهدى والضلال ، وإن كانت مجملة في هذه الآية ، إلا أنها مخصصة مفصلة في سائر الآيات ، فيجب حمل هذا المجمل على تلك المفصلات (١) ، أي أن المجمل الغامض يفسر في ضوء الواضح المعلل.
وأما دلالة قوله : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) فهي تختلف باختلاف القولين في تفسير الكتاب ، فعلى القول بأن المراد منه : الكتاب المحفوظ في
__________________
(١) تفسير الرازي : ١٢ / ٢٢١ ، وانظر أيضا : ٢ / ٤٨ ـ ٥٣