ومن مظاهر عنادهم : مطالبتهم بإنزال آية من ربهم خارقة للعادة ، كالناقة والعصا والمائدة ، وتفجير الينابيع ، وإنشاء البساتين المخضرة المحفوفة بأشجار النخيل والعنب ، وإسقاط السماء قطعا عليهم ، والإتيان بوفد أو جماعة من الملائكة ، وإيجاد بيت من زخرف ، وإنزال كتاب من السماء.
فرد الله عليهم بقوله : (قُلْ : إِنَّ اللهَ قادِرٌ ...) أي قل لهم أيها النبي : إن الله تعالى قادر على تنزيل آية مما اقترحوا ، ولكن حكمته تقتضي تأخير ذلك ، لأنه لو أنزلها على وفق ما طلبوا ، ثم لم يؤمنوا ، لعاجلهم بالعقوبة ، كما فعل بالأمم السابقة ، كما قال تعالى : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ، وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً ، فَظَلَمُوا بِها ، وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) [الإسراء ١٧ / ٥٩] وقال : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً ، فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) [الشعراء ٢٦ / ٤].
ومعنى قوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) : أن الله قادر على أن ينزل تلك الآية ، ولكن حكمته اقتضت صرفه عن إنزالها ، وأكثر هؤلاء القوم لا يعلمون أنهم لما طلبوا ذلك على سبيل التعنت والتعصب ، فإن الله تعالى لا يعطيهم مطلوبهم ، ولو كانوا عالمين عاقلين لطلبوا ذلك على سبيل طلب الفائدة ، وحينئذ يعطيهم الله المطلوب على أكمل الوجوه ، فإنزال آية مما اقترحوا يكون سببا في هلاكهم إن لم يؤمنوا.
يعني أن طلبهم آية مادية مع وجود هذه الآيات البينات القرآنية إنما هو محاولة تعجيز الرسول ، فلو فرض حدوثها لما آمنوا ولقالوا : إنها سحر ، كما قال تعالى : (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ ، فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ ، لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا : إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) [الأنعام ٦ / ٧] وقالوا : (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا ، وَيَقُولُوا : سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) [القمر ٥٤ / ٢].