وفي قوله تعالى : (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ) إشارة إلى أنهم حصلوا لأنفسهم ما به استحقوا العذاب الشديد ، ولا شك أن ذلك نهاية الخسران.
ودل قوله تعالى : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ) على قسمة أعمال الدنيا إلى قسمين : أعمال لا خير فيها ولا نفع ، وهي أمور الدنيا المحضة ، وهي الغالبة في أعمال الناس ، وأعمال الآخرة التي لا لهو فيها ولا لعب وهي أفعال المتقين الأخيار ، الذين عمروا دنياهم بصلاح الأعمال وخير الأقوال ، روى ابن عبد البر عن أبي سعيد الخدري وأخرجه الترمذي عن أبي هريرة ـ وقال : حديث حسن غريب ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الدنيا ملعونة ملعون. ما فيها إلا ما كان فيها من ذكر الله ، أو أدّى إلى ذكر الله ، والعالم والمتعلم شريكان في الأجر ، وسائر الناس همج لا خير فيه».
وروي عن النّبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «من هوان الدنيا على الله ألا يعصى إلا فيها ، ولا ينال ما عنده إلا بتركها».
وروى الترمذي عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ، ما سقى كافرا منها شربة ماء».
ودل قوله تعالى : (أَفَلا تَعْقِلُونَ) على أن الإنسان لا يفكر غالبا تفكيرا يتفق مع حقيقة مصلحته ، وإنما قد يرتكب ما يلحق بنفسه الضرر ، ودل أيضا على أن الزهد في الدنيا ، أي عدم استيلاء حبها على قلبه أمر مرغوب فيه.
وأشارت هذه الآية : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا ..) إلى أن منكري البعث والقيامة تعظم رغبتهم في الدنيا وتحصيل لذاتها ، فذكر الله تعالى هذه الآية تنبيها على خساستها ، ولكن يلاحظ أن هذه الحياة نفسها لا يمكن ذمها ؛ لأنها بإرادة الله وحكمته ، وخلقه وإيجاده ، ولأنه لا يمكن التوصل إلى السعادة الأخروية إلا فيها ، وإنما المقصود أن الذات الحياة الدنيا وطيباتها لا دوام لها ، ولا يبقى منها