الافتراء على الله ظلم للنفس : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى ..) أي لا أحد أظلم ممن تقوّل على الله ، فادعى أن الله أرسله ، ولم يكن أرسله ، ثم لا أحد أظلم ممن كذّب بآيات الله وحججه وبراهينه ودلالاته ، ولا أحد أظلم لنفسه ممن زعم أن لله ولدا أو شريكا.
ويلاحظ أن المشركين جمعوا بين التكذيب على الله ، والتكذيب بآيات الله الدالة على التوحيد وعلى إثبات رسالة النّبي محمد صلىاللهعليهوسلم.
وعاقبة الظلم : عدم الفلاح ، فلا يفلح المفتري ولا المكذب ، ولا يفوز أحدهما أو كلاهما وكل ظالم يوم القيامة ـ يوم الحساب والجزاء.
وزيادة في الملامة والتبكيت يسأل المشركون المفترون يوم القيامة سؤال توبيخ وتقريح وإنكار ، فقال تعالى : (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ ..) أي واذكر يا محمد يوم نحشر أولئك المشركين جميعا سواء عبدة الأوثان أو أهل الكتاب وكل من ظلم نفسه وغيره ، ثم نقول للذين أشركوا وهم أشدّ الناس ظلما : أين الشركاء من الأصنام والأنداد المعبودة من دون الله ، التي كنتم تزعمون في الدنيا أنهم أولياؤكم ونصراؤكم من دون الله ، وأنهم يقربونكم إلى الله زلفى ، ويشفعون لكم عنده ، أين هم فلا يرون معكم؟ كما قال تعالى : (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ : أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) [القصص ٢٨ / ٦٢] وقال تعالى : (وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ ، لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ ، وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) [الأنعام ٦ / ٩٤].
ولكنهم يحارون فلا يجدون جوابا مقنعا ، فيبادرون إلى إنكار الشرك. (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ ...) أي لم تكن عاقبة شركهم أو كفرهم أو ـ كما صوب الطبري ـ لم تكن حجتهم أو قولهم عند اختبارنا إياهم اعتذارا مما سلف منهم من الشرك بالله ، إلا أن أقسموا بالله يوم القيامة : ما كنا مشركين.