التفسير والبيان :
إن الذين آمنوا آتيناهم الكتاب في الماضي وهم اليهود والنصارى يعرفون أن محمداصلىاللهعليهوسلم نبي وأنه خاتم الرسل ، كما يعرفون أبناءهم ، بما عندهم من الأخبار والأنباء عن الرسل المتقدمين والأنبياء ؛ فإن صفته في كتبهم واضحة ، وإن الرسل كلهم بشّروا بوجود محمد صلىاللهعليهوسلم ونعته وصفته وبلده ومهاجره وصفته أمته. وهذا استشهاد لأهل مكة بمعرفة أهل الكتاب به وبصحة نبوته.
لهذا كان السبب في إنكار نبوته : ما قاله تعالى : (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ ..) أي إن إنكارهم نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ناشئ من خسارتهم أنفسهم ، مثل إنكار المشركين بعد قيام الأدلة القاطعة على نبوته ، فكل من الفريقين أهمل ما يقتضيه العقل والعلم والتاريخ ، وآثر المشركون وعلماء اليهود والنصارى الحفاظ على مراكزهم في قومهم وتعصبهم لما عندهم ، على الإيمان بنبوة هذا الرسول النّبي الأميّ الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ، فهم إن أسلموا فقدوا زعامتهم ، وتساووا مع بقية المسلمين.
هؤلاء من المشركين وأهل الكتاب الجاحدين الذين خسروا أنفسهم ، لتعلقهم بحظوظ دنيوية حقيرة ، ولضعف إرادتهم ، وإهمالهم أخبار الأنبياء السابقين ، هم الذين لا يؤمنون بنبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وهم الذين جمعوا بين أمرين متناقضين ، فكذبوا على الله بما لا حجة عليه ، وكذبوا بما ثبت بالحجة والبرهان الصحيح حيث قالوا : لو شاء الله ما أشركنا ، ولا آباؤنا ، وقالوا : والله أمرنا بها ، وقالوا : والملائكة بنات الله ، وهؤلاء شفعاؤنا عند الله ، ونسبوا إليه تحريم البحائر والسوائب ، وذهبوا فكذبوا القرآن والمعجزات وسموها سحرا ، ولم يؤمنوا بالرسولصلىاللهعليهوسلم.
وهذا يدلّ على أن إنكار نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم خسارة للنفس ، ثم أبان تعالى أن