ثم أمر الله نبيه ببيان جزاء من خالف الأمر والنهي السابقين فقال له :(قُلْ : إِنِّي أَخافُ ..) أي قل لهم : إني أخشى إن عصيت الله ربي أن يصيبني عذاب يوم عظيم الهول والخطر وهو يوم القيامة الذي يحاسب الله فيه الخلائق حسابا شديدا على أعمالهم ، ويجازيهم على ما يستحقون. يوم لا تملك نفس لنفس شيئا ، والأمر يومئذ لله. وإذا كان هذا الإنذار موجها لنبي الله ، فما بال الناس الآخرين؟!
من يدفع عنه ذلك العذاب يومئذ ، فقد رحمهالله ونجا ، وذلك هو الفوز الساحق الظاهر الذي لا فوز أعظم منه ، كما قال تعالى : (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ) [آل عمران ٣ / ١٨٥]. والفوز : حصول الربح ونفي الخسارة.
فقه الحياة أو الأحكام :
هذه الآيات تثبت أصول الاعتقاد : وهي التوحيد ، والبعث والجزاء ، والنبوة ، وهي أدلة للاحتجاج على المشركين المنكرين ، وأولها انتزاع الاعتراف بالخالق ، وهم يعترفون بذلك وأن خالق السموات والأرض هو الله. وإذا لم يعترفوا فالحجة قائمة عليهم.
وإذا ثبت أن لله ما في السموات والأرض ، وأنه خالق الكل إما باعترافهم أو بقيام الحجة عليهم ، فالله قادر على أن يعاجلهم بالعقاب ، ويبعثهم بعد الموت.
ولكنه تعالى كتب على نفسه الرحمة ، أي وعد بها فضلا منه وكرما ، فلذلك أمهل الناس حتى يعودوا لرشدهم ، وهذا استعطاف منه تعالى للمتولين عنه إلى الإقبال إليه ، وإخبار منه سبحانه بأنه رحيم بعباده لا يعجل عليهم بالعقوبة ، ويقبل منهم الإنابة والتوبة.