بني إسرائيل ، وإنزال كتاب مكتوب في قرطاس أي صحيفة ، وإنزال ملك من الملائكة لا تحقق الغرض ، وسيظلّ الكافرون المشركون على موقفهم من الكفر والإعراض.
وهذا ما ردّ الله به على الاقتراح الأوّل للمشركين بإنزال كتاب ، فلو أنزله وعاينوه ومسّوه باليد كما اقترحوا ، لإزالة الرّيب والإشكال عنهم ، لعاندوا فيه وتابعوا كفرهم. وهذه الآية جواب لقولهم : (حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ) [الإسراء ١٧ / ٩٣] فأعلم الله بما سبق في علمه من أنه لو نزل لكذّبوا به.
ثمّ ردّ الله على اقتراحهم الثاني بإنزال ملك : (وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ) قال ابن عباس : لو رأوا الملك على صورته لماتوا إذ لا يطيقون رؤيته. وقال الحسن البصري وقتادة : لأهلكوا بعذاب الاستئصال ؛ لأن الله أجرى سنّته بأن من طلب آية فأظهرت له فلم يؤمن ، أهلكه الله في الحال.
وتكملة الرّدّ : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) أي لا يستطيعون أن يروا الملك في صورته إلّا بعد التّجسيم بالأجسام الكثيفة ؛ لأن كلّ جنس يأنس بجنسه وينفر من غير جنسه ؛ فلو جعل الله تعالى الرّسول إلى البشر ملكا لنفروا من مقاربته ، ولما أنسوا به ، ولخافوا منه ومن مكالمته ، فلا تتحقق المصلحة ؛ ولو تمثّل بصورة بشر لقالوا : لست ملكا ، وإنما أنت بشر ، فلا نؤمن بك وعادوا إلى مثل حالهم ، وكانت الملائكة تأتي الأنبياء في صورة البشر ، فأتوا إبراهيم ولوطا في صورة الآدميين ، وأتى جبريل النّبيصلىاللهعليهوسلم في صورة دحية الكلبي.
أي إن هدفهم لا يتحقق فلو نزل بصورته الحقيقية لما أطاقوا رؤيته ، ولو نزل بصورة رجل ، التبس الأمر عليهم وقالوا : هذا ساحر مثلك.