يكون معه نذيرا ومؤيّدا له ونصيرا ، كأنّهم فهموا أن الرّسالة السّماوية تتنافى مع البشرية ، وهم يعلمون أنّ الرّسول بشر ، كما قال تعالى : (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ ، وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) [المؤمنون ٢٣ / ٣٣] ، وقال : (وَقالُوا : ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ ، لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ ، فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً) [الفرقان ٢٥ / ٧] ومضمون ردّ الاقتراح الثّاني من جهتين :
أوّلا ـ (وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً ..) أي ولو أنزل الله ملكا كما اقترحوا لقضي الأمر بإهلاكهم ، ثم لا يمهلون ليؤمنوا ، بل لجاءهم من الله العذاب ، كما قال تعالى : (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ) [الحجر ١٥ / ٨] ، وقال : (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ ، لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ) [الفرقان ٢٥ / ٢٢].
ثانيا ـ (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً ..) أي ولو أنزلنا مع الرّسول البشر ملكا ، لكان متمثلا بصورة الرّجل ، ليمكنهم مخاطبته والانتفاع بالأخذ منه ، ثم يعود الأمر كما كان ؛ ويقعون في اللّبس والاشتباه نفسه ، الذي يلبسون على أنفسهم ويختلط الأمر عليهم باستنكار جعل الرّسول بشرا ؛ فإن هذا الرّجل سيقول لهم : إنّي رسول الله ، كما يقول محمدصلىاللهعليهوسلم ، قال ابن عباس في الآية : يقول : لو أتاهم ملك ، ما أتاهم إلا في صورة رجل ؛ لأنهم لا يستطيعون النّظر إلى الملائكة من النّور.
وقال قتادة : (وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) يقول : ما لبّس قوم على أنفسهم ، إلا لبّس الله عليهم ، واللّبس إنما هو من الناس.
فقه الحياة أو الأحكام :
إنّ إجابة المطالب المادية القائمة على التّعنّت والعناد ، مثل إنزال المائدة على