ولا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا.
ثم خاطب الله المشركين الذين عدلوا به غيره مذكرا لهم بدلائل التوحيد والبعث فقال : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ ..) أي خلق أباكم آدم الذي هو أصلكم من طين ، ثم تكاثرت ذريته في المشارق والمغارب ، كما خلق سائر أحياء الأرض ، وهي بعد الحياة بحاجة إلى النبات ؛ لأن الدم من الغذاء ، والغذاء من نبات الأرض أو من لحوم الحيوان المتولدة من النبات ، فالمرجع إلى نبات الطين.
ثم حدّد تعالى أجل وجود الإنسان بدءا من الولادة إلى الممات ، وهناك أجل آخر له يبدأ بالإعادة من القبور ، فصار قضاء الله أجلين : الأول : ما بين أن يخلق إلى أن يموت ، والثاني : ما بين الموت والبعث وهو البرزخ ، وهو رأي الحسن.
وفسر ابن عباس ومجاهد وغيرهما قوله : (ثُمَّ قَضى أَجَلاً) أجل الموت ، والأجل المسمى هو أجل القيامة.
وكل أجل مسمى عند الله ، أي له بداية ونهاية محدودة لا تزيد ولا تنقص ، ولا يعلمه غيره ، ولو كان نبيا مرسلا أو ملكا مقرّبا ، فالمقصود من الأجلين : أجل الدنيا والإنسان ، وأجل القيامة. قال تعالى عن الأول : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [النحل ١٦ / ٦١].
(ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) أي بالرغم من قيام الدلائل على التوحيد والبعث. تشكّون أيها الكفار في خلقكم مرة ثانية أي في البعث وأمر الساعة ، علما بأنه تعالى ابتدأ خلقكم من طين ، وتكاثرت الذرية ، فجعل أصل الإنسان نطفة من ماء مهين وأودعه في قرار مكين ، وهيأ له فيه ظروف الحياة ، وجعله يتنفس ويتغذى بدم الحيض ، ولو تنفس بالهواء العادي أو أكل غير الدم لمات. ومن قدر على الابتداء ، فهو على الإعادة أقدر.