لله تعالى ، سواء استحضر ذلك بقلبه أم لا ، أما إن قال : أحمد الله مع غفلة القلب عن استحضار المعنى كان كاذبا.
والمراد بالسموات : العوالم العلوية التي نراها فوقنا ، والمراد بالأرض : الكوكب الذي نعيش فيه. والأرض هنا : اسم للجنس ، فإفرادها في اللفظ بمنزلة جمعها ، وكذلك النور ، ومثله : (ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) [غافر ٤٠ / ٦٧].
وجعل الظلمات والنور منفعة لعباده في الليل والنهار ، وجمع الظلمات وأفرد لفظ النور ، لكثرة أسبابها كالعتمة والشرك والكفر ، أما النور فهو واحد متعدد المصدر ، ولكون النور أشرف ، كقوله تعالى : (عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ). وجعل هنا : بمعنى خلق ، لا يجوز غيره. والمراد بالظلمة كما قال السدي وجمهور المفسرين : ظلمة الليل ، وبالنور : نور النهار ، وفي ذلك ردّ على المجوس (الثّنوية) القائلين بإلهين اثنين : هما النور وهو الخالق للخير ، والظلمة وهو الخالق للشر. وقال الحسن البصري : المراد منهما الكفر والإيمان (١).
وقال قتادة عن سبب التقديم : إنه تعالى خلق السموات قبل الأرض ، والظلمة قبل النور ، والجنة قبل النار. أما الظلمات الحسية فجنسها وجد قبل النور ، فقد وجدت مادة الكون أولا ، وكانت دخانا مظلما أو سديما (نظرية السديم) كما يقول الفلكيون ، ثم تكونت الشموس. وكذلك الظلمات المعنوية كالجهل والكفر والشرك أسبق وجودا من النور ، فإن نور العلم والإيمان والتوحيد يحدث بعدئذ ، كما قال تعالى : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً ، وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ ، لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل ١٦ / ٧٨].
ثم الذين كفروا وجحدوا نعمة الله الصانع بعد هذا كله يعدلون بالله غيره ، أي يجعلون له عديلا مساويا له في العبادة وهو الشريك ، مع أنه غير خالق
__________________
(١) تفسير القرطبي : ٦ / ٣٨٦