على عبوديّته وبشريّته وفقره وحاجته إلى الله ، وليعلم النّصارى بطلان قولهم وادّعائهم التّالية.
والذي دفع الحواريين إلى سؤال إنزال المائدة أربعة أسباب :
١ ـ الحاجة الدّاعية إلى الأكل منها ، لأن عيسى عليهالسلام كان إذا خرج اتّبعه خمسة آلاف أو أكثر ، بعضهم كانوا أصحابه ، وبعضهم كانوا ينظرون ويستهزئون ، فخرج يوما إلى موضع فوقعوا في مفازة ، ولم يكن معهم نفقة ، فجاعوا وقالوا للحواريين : قولوا لعيسى حتى يدعو بأن تنزل علينا مائدة من السماء ، فجاءه شمعون رأس الحواريين وأخبره أن الناس يطلبون بأن تدعو بأن تنزل عليهم مائدة من السماء ، فقال عيسى لشمعون : قل لهم : (اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) فأخبر بذلك شمعون القوم ، فقالوا له : قل له : (نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها) الآية.
وقال الماوردي : نأكل منها ، أي ننال بركتها ، لا لحاجة دعتهم إليها ، وهذا أشبه لأنهم لو احتاجوا إلى الطعام لم ينهوا عن السؤال.
٢ ـ اطمئنان القلب إلى أن الله تعالى بعث عيسى إليها نبيّا.
٣ ـ العلم بأن عيسى رسول الله ، أي ازدياد الإيمان بك وعلما برسالتك.
٤ ـ الشهادة أنها آية من عند الله ، ودلالة وحجّة على نبوّتك ، وصدق ما جئت به. وبالرّغم من إنزال المائدة السّماوية ، وامتنان الله على النّصارى بها ، فإنّهم جحدوا تلك النّعمة وكفروا بعد نزولها ، فمسخوا قردة وخنازير. قال ابن عمر : إن أشدّ الناس عذابا يوم القيامة : المنافقون ومن كفر من أصحاب المائدة ، وآل فرعون ، قال الله تعالى : (فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ).