(قالَ اللهُ : إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ) أي وعد الله عيسى بإنزال المائدة مرّة أو مرارا ، ووعده الحقّ وقوله الصدق ، وقد نزلت.
لكن هذا الوعد مقرون بالجزاء حين المخالفة : (فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ ..) أي من يكفر بالله بعد نزول هذه المائدة ، فإني أعذّبه عذابا شديدا لا أعذب مثله أحدا من سائر كفار العالمين : عالمي زمانهم ؛ لأنه لم يبق بعد هذا الدّليل الحسي عذر لمن يكفر أو يستهزئ بآيات الله وأدلّته الدّالة على وجوده وقدرته.
أما الطّعام فقيل : إنه خبز ولحم ، أو خبز وسمك ، قال الطّبري : والصواب من القول فيما كان على المائدة ، فأن يقال : كان عليها مأكول ، وجائز أن يكون كان سمكا وخبزا ، وجائز أن يكون كان ثمرا من ثمر الجنة ، وغير نافع العلم به ، ولا ضار الجهل به (١).
جاء في حديث ذكره السّيوطي : أنزلت المائدة من السماء خبزا ولحما ، فأمروا أن لا يخونوا ولا يدّخروا لغد ، فخانوا وادّخروا ، فمسخوا قردة وخنازير ،
فقه الحياة أو الأحكام :
قصة المائدة نعمة تاسعة من النّعم التي عدّدها الله وامتنّ بها على عيسى عليهالسلام وقومه ، والذي عليه الجمهور وهو الحق : أنها نزلت فعلا ، لقوله تعالى : (إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ) قيل : إنها نزلت عليهم يوم الأحد غدوة وعشية ، فجعلوا الأحد عيدا.
وهي آية بيّنة على قدرة الله ، وعلى إجابته دعاء المخلص من عباده ، وعلى صدق نبوة عيسى ، وأنه عبد لله ورسوله ؛ لأنه لو كان إلها لما كان بحاجة أن يطلب شيئا من أحد ، فالدّعاء إلى الله منه ، وإجابة الدّعاء من ربّه دليل آخر
__________________
(١) تفسير الطّبري : ٧ / ٨٨