بالله نصيرا لمن استنصره ، ومعينا يدفع شرهم عنكم ، فهو سبحانه الذي يرشدكم إلى ما فيه خيركم وفلاحكم ، وهو الذي ينصركم على أعدائكم بتوفيقكم لصالح العمل والهداية لأسباب النصر من التعاون وإعداد وسائل القوة الحربية ، فلا تطلبوا الولاية من غيره ، ولا النصرة من سواه.
وأما الذي يعملون به من التوراة : فهو ما أضاعوه ونسوه ، وما تركوا العمل به من الأحكام الباقية لديهم.
ثم بيّن الله تعالى المراد بأولئك الذين أوتوا الكتاب بقوله : (مِنَ الَّذِينَ هادُوا) أي اليهود ، و (مِنَ) هنا لبيان الجنس كقوله : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) [الحج ٢٢ / ٣٠] وهم قوم يحرفون الكلم الذي أنزله الله في التوراة عن مواضعه الأصلية ، إما بأن يحملوه على غير معناه الذي وضع له ، كتأويل البشارات الواردة في النّبي صلىاللهعليهوسلم ، وتأويل ما ورد في المسيح وحمله على شخص آخر ، لا يزالون ينتظرونه إلى اليوم ، وإما بنقل كلمة أو جملة من الكتاب ووضعها فيه في موضع آخر ، فقد خلطوا ما أثر عن موسى عليهالسلام بما كتب بعده بزمن طويل ، كما خلطوا كلام غيره من أنبيائهم بكلام آخر دوّنه واضعو التوراة الحالية ، بدلا عن التوراة المفقودة باعترافهم.
وكانوا يقصدون بهذا التحريف الإصلاح في زعمهم ، ومنشأ ذلك أنه وجدت عندهم قراطيس متفرقة من التوراة بعد فقد النسخة الأصلية التي كتبها موسى عليهالسلام ، وأرادوا أن يؤلفوا بينها ، فخلطوا فيها بالزيادة والتكرار ، كما أثبت المؤرخون الباحثون الثقات ، مثل الشيخ رحمة الله الهندي في كتابه «إظهار الحق».
ويقول هؤلاء اليهود للنبي صلىاللهعليهوسلم : سمعنا قولك وعصينا أمرك ، قال مجاهد : إنهم قالوا للنبيصلىاللهعليهوسلم : سمعنا قولك ، ولكن لا نطيعك. وكانوا يقولون أيضا