وفي الآية إيماء إلى أن جميع ما في الدّنيا من التجارة وما في معناها من قبيل الباطل الزائل الذي لا ثبات له ولا بقاء ، فلا ينبغي أن يشغل العاقل بها عن الاستعداد للآخرة ، لقوله تعالى : (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) [النور ٢٤ / ٣٧] ، وروى الدارقطني عن ابن عمر من قوله صلىاللهعليهوسلم : «التاجر الصدوق الأمين المسلم مع النّبيين والصّدّيقين والشهداء يوم القيامة».
وفي الآية أيضا إشارة إلى أن معظم التجارات مشتملة على الأكل بالباطل ؛ للطمع في أخذ الأرباح الفاحشة ، ولزخرفة البضاعة بمختلف الأساليب ، ولاقترانها بالأيمان الكاذبة غالبا ، لذا فإنها تحتاج إلى المسامحة والصدقة ، قال عليه الصلاة والسلام ـ فيما رواه أبو داود والترمذي والنسائي عن قيس بن أبي غرزة ـ : «يا معشر التجار ، إن بيعكم هذا يحضره اللغو والكذب ، فشوّبوه بالصدقة» ويلاحظ أن الأكل من غير إذن من المشتريات في الأسواق قبل تمام الشراء لا يحل ، وفيه شبهة ، فربما لا يتم الشراء.
والجمهور على جواز الغبن في التجارة ، مثل أن يبيع رجل ياقوتة بدرهم ، وهي تساوي مائة ، فذلك جائز.
وقالت فرقة : الغبن إذا تجاوز الثلث مردود ، وإنما أبيح منه المتقارب المتعارف في التجارات ، وأما المتفاحش الفادح فلا. قال ابن وهب من أصحاب مالك رحمهالله : والأول أصح ، لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث الأمة الزانية : «فليبعها ولو بضفير» أي بحبل ، وقوله عليهالسلام لعمر : «لا تبتعه ـ يعني الفرس ـ ولو أعطاكه بدرهم واحد» وقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه الجماعة إلا البخاري عن جابر : «لا يبع حاضر لباد ، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض» وليس فيه تفصيل بين القليل والكثير من ثلث وغيره.
٤ ـ التراضي أساس العقود : لقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ