وبالجملة فغاية ما يستفاد من هذه الروايات هو أن غاية التأخير اليوم الثالث عشر ، والمدعى جواز التأخير طول ذي الحجة ، فالدليل غير منطبق على المدعى ، إلا أنه في المنتهى ـ بعد أن نسب إلى علمائنا عدم جواز التأخير عن اليوم الحادي عشر وأنه آخر وقته ـ نقل عن أبي حنيفة أن آخر وقته آخر أيام النحر ، وعن باقي الجمهور أنه لا تحديد لآخره ، فاحتمال خروج هذه الأخبار الأخيرة مخرج التقية غير بعيد ، لقول أبي حنيفة وأتباعه بمضمونها ، ومذهبه في وقته كان مشهورا ، والأخبار الأولة بعيدة عن التقية إذ لا قائل بها منهم.
وأما ما استدل به في المدارك على ما اختاره من القول المذكور بقوله عزوجل (١) «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ» وأن شهر ذي الحجة من أشهر الحج فيجوز إيقاع أفعاله فيه مطلقا الا ما أخرجه الدليل.
فلا يخفى ما فيه ، لما في الدليل المذكور من الإجمال المانع من الصلاحية للاستدلال ، فالاستدلال بأمثال هذه الأدلة مجازفة محضة ، إذ غاية ما يستفاد من الأخبار أن ذا الحجة إلى آخره من أشهر الحج باعتبار ما جوز الشارع فيه من الأفعال بعد مضي وقتها إلى آخره ، لا أنه متى وردت الأخبار بتوظيف بعض الأفعال في أيام مخصوصة جاز لنا أن تؤخرها إلى آخر ذي الحجة بناء على هذه الآية.
على أن الخصم يدعي ان هذا مما أخرجه الدليل كما اعترف به ، لأن الروايات الأولة قد دلت على أنه لا يجوز التأخير عن اليوم الثاني عشر ، والروايات الأخيرة غاية ما دلت عليه التأخير إلى اليوم الثالث عشر ،
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٩٧.