وقد تطلّب هذا
الاتّجاه المعتدل الذي مثّله جُلّ فقهاء مدرسة أهل البيت عليهمالسلام أن يخوضوا المعركة في جبهتين :
إحداهما : المعركة
ضدّ أنصار الاتّجاه الأول الذي كانت مدرسة الرأي في الفقه تتبنّاه بقيادة جماعةٍ
من أقطاب علماء العامّة.
والاخرى المعركة
ضدّ حركةٍ داخليةٍ نشأت داخل صفوف الفقهاء الإماميّين ؛ متمثّلةٍ في المحدثين
والأخباريّين من علماء الشيعة الذين شجبوا العقل وادّعوا أنّ البيان الشرعي هو
الوسيلة الوحيدة التي يجوز استخدامها للإثبات ، وهكذا نعرف أنّ المعركة الاولى
كانت ضدّ استغلال العقل ، والاخرى كانت إلى صفّه.
١ ـ المعركة ضدّ
استغلال العقل :
قامت منذ أواسط
القرن الثاني مدرسة فقهية واسعة النطاق تحمل اسم مدرسة «الرأي والاجتهاد» بالمعنى
الأول الذي تقدّم في البحث السابق ، وتطالب باتّخاذ العقل بالمعنى الواسع الذي
يشمل الترجيح والظنّ والتقدير الشخصي للموقف أداةً رئيسيةً للإثبات إلى صفّ البيان
الشرعي ، ومصدراً للفقيه في الاستنباط ، وأطلقت عليه اسم «الاجتهاد».
وكان على رأس هذه
المدرسة أو من روّادها الأوّلين أبو حنيفة المتوفّى سنة (١٥٠ ه) ، والمأثور عن
رجالات هذه المدرسة أنّهم كانوا حيث لا يجدون بياناً شرعياً يدلّ على الحكم يدرسون
المسألة على ضوء أذواقهم الخاصّة ، وما يدركون من مناسبات ، وما يتفتّق عنه
تفكيرهم الخاصّ من مرجّحاتٍ لهذا التشريع على ذاك ، ويفتون بما يتّفق مع ظنّهم
وترجيحهم ، ويسمّون ذلك «استحساناً» أو «اجتهاداً».