قلنا : إنّ علم الاصول «هو العلم بالعناصر المشتركة في عملية الاستنباط» ، أي أنّه علم يبحث عن العناصر التي تدخل في عمليات استنباطٍ متعدّدةٍ لأحكام مواضيع متنوعة ، كحجّية الظهور العرفي وحجّية الخبر ، العنصرين المشتركين اللذَين دخلا في استنباط أحكام الصوم والخمس والصلاة.
ولا يحدّد علم الاصول العناصر المشتركة فحسب ، بل يحدّد أيضاً درجات استعمالها في عملية الاستنباط والعلاقة القائمة بينها ، كما سنرى في البحوث المقبلة إن شاء الله تعالى ، وبهذا يضع للعملية الاستنباطية نظامها العامّ الكامل.
ونستخلص من ذلك : أنّ علم الاصول وعلم الفقه مرتبطان معاً باستنباط الحكم الشرعي ، فعلم الفقه هو علم نفس عملية الاستنباط ، وعلم الاصول علم العناصر المشتركة في عملية الاستنباط ، والفقيه يمارس في علم الفقه عملية استنباط الحكم الشرعي بإضافة العناصر الخاصّة للعملية في البحث الفقهي إلى العناصر المشتركة التي يستمدّها من علم الاصول. والاصولي يدرس في علم الاصول العناصر المشتركة في عملية الاستنباط ويضعها في خدمة الفقيه.
لكلِّ علمٍ ـ عادةً ـ موضوع أساسي ترتكز جميع بحوثه عليه وتدور حوله ، وتستهدف الكشف عمّا يرتبط بذلك الموضوع من خصائص وحالاتٍ وقوانين ، فالفيزياء ـ مثلاً ـ موضوعها الطبيعة ، وبحوث الفيزياء ترتبط كلّها بالطبيعة وتحاول الكشف عن حالاتها وقوانينها العامة. والنحو موضوعه الكلمة ؛ لأنّه يبحث عن حالات إعرابها وبنائها ورفعها ونصبها ، فما هو موضوع علم الاصول الذي يتوفّر هذا العلم على دراسته وتدور بحوثه حوله؟