ندرس حقّ الطاعة الذي يدركه العقل ويقيم على أساسه حكمه بوجوب إطاعة الشارع ، وندرس حدود هذا الحقّ ، فهل هو حقّ لله سبحانه في نطاق التكاليف المعلومة فقط ـ بمعنى أنّ الله سبحانه ليس له حقّ الطاعة على الإنسان إلّا في التكاليف التي يعلم بها ، وأمّا التكاليف التي يشكّ فيها ولا علم له بها فلا يمتدّ إليها حقّ الطاعة ـ أو أنّ حقّ الطاعة كما يدركه العقل في نطاق التكاليف المعلومة يدركه أيضاً في نطاق التكاليف المحتملة ، بمعنى أنّ من حقّ الله على الإنسان أن يطيعه في التكاليف المعلومة والمحتملة ، فإذا علم بتكليفٍ كان من حقّ الله عليه أن يمتثله ، وإذا احتمل تكليفاً كان من حقّ الله عليه أن يحتاط ، فيترك ما يحتمل حرمته ، أو يفعل ما يحتمل وجوبه؟
وهكذا يتّضح أنّ الموقف العملي في حالة عدم وجدان الدليل يجب أن يحدّد على ضوء ما نعرفه من حقّ الطاعة وحدوده ومدى شموله.
والصحيح في رأينا هو : أنّ الأصل في كلّ تكليفٍ محتملٍ هو الاحتياط ؛ نتيجةً لشمول حقّ الطاعة للتكاليف المحتملة ، فإنّ العقل يدرك أنّ للمولى على الإنسان حقَّ الطاعة لا في التكاليف المعلومة فحسب ، بل في التكاليف المحتملة أيضاً ما لم يثبت بدليلٍ أنّ المولى لا يهتمّ بالتكليف المحتمل الى الدرجة التي تدعو الى إلزام المكلّف بالاحتياط.
وهذا يعني أنّ الأصل بصورةٍ مبدئيةٍ كلّما احتملنا حرمةً أو وجوباً هو أن نحتاط ، فنترك ما نحتمل حرمته ، ونفعل ما نحتمل وجوبه نتيجةً لامتداد حقّ الطاعة الى التكاليف المحتملة. ولا نخرج عن هذا الأصل إلّا إذا ثبت بالدليل أنّ الشارع لا يهتمّ بالتكليف المحتمل الى الدرجة التي تفرض الاحتياط ويرضى بترك الاحتياط ، فإنّ الإنسان يصبح حينئذٍ غير مسئولٍ عن التكليف المحتمل.
فالاحتياط إذن واجب عقلاً في موارد الشكّ ، ويسمّى هذا الوجوب